الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          848 838 [ ص: 484 ] - ( مالك عن أبي الزناد ) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا ) ، قال الحافظ : لم أقف على اسمه بعد طول البحث ، ( يسوق بدنة ) زاد مسلم من طريق المغيرة عن أبي الزناد : مقلدة ، وللبخاري من وجه آخر : مقلدة نعلا ، والبدنة تقع على الجمل ، والناقة والبقرة ، وكثر استعمالها فيما كان هديا .

                                                                                                          وفي البخاري : قال مجاهد : سميت البدن ببدنها ، بفتح الموحدة ، والمهملة للأكثر ، وبضمها ، وسكون الدال .

                                                                                                          وفي رواية : لبدانتها ، أي سمنها .

                                                                                                          ولعبد بن حميد ، عن مجاهد : إنما سميت البدن من قبل السمانة ، ( فقال : اركبها ) لضرورتك ، ففي رواية أنه رأى رجلا يسوق وقد أجهد ، فقال له : اركبها .

                                                                                                          ( فقال : يا رسول الله إنها بدنة ) ، أي : هدي ، ( فقال : اركبها ويلك في الثانية ، أو الثالثة ) بالشك من الراوي ، وفي رواية همام عند مسلم : " ويلك اركبها ويلك اركبها " ولأحمد من رواية عبد الرحمن بن إسحاق ، والثوري ، كلاهما عن أبي الزناد ، ومن طريق ابن عجلان ، عن أبي هريرة ، قال : " اركبها ويحك قال : إنها بدنة ، قال : اركبها ويحك " ، زاد البخاري من رواية عكرمة ، عن أبي هريرة : " فلقد رأيته راكبها يساير النبي - صلى الله عليه وسلم - والنعل في عنقها " ، وهذه الطرق دالة على أنه أطلق البدنة على الواحدة من الإبل المهداة إلى البيت ، إذ لو كان المراد مدلولها اللغوي لم يحسن الجواب بأنها بدنة لأن كونها من الإبل معلوم ، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي عليه كونها هديا ، فقال : إنها بدنة ، والحق أن ذلك لم يخف على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها كانت مقلدة ، ولذا قال لما زاد في مراجعته : ويلك تأديبا لمراجعته مع عدم خفاء الحال عليه ، وبه جزم ابن عبد البر ، وابن العربي ، وبالغ فقال : الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا ، ولولا أنه - صلى الله عليه وسلم - اشترط على ربه ما اشترط لهلك الرجل لا محالة .

                                                                                                          قال القرطبي : ويحتمل أنه فهم عنه ترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة ، وغيرها ، فزجره عن ذلك ، فعلى الحالتين فهي دعاء ، ورجحه عياض وغيره قالوا : والأمر هنا وإن قلنا إنه للإرشاد; لكنه استحق الذم لتوقفه عن امتثال الأمر ، والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادا ، ويحتمل أنه ظن أنه يلزم غرم بركوبها ، أو إثم ، وأن الإذن بركوبها إنما هو للشفقة عليه ، فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال ، وقيل : لأنه أشرف على هلكة من الجهد ، وويل يقال لمن وقع في هلكة ، فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب ، فعلى هذا هي إخبار ، وقيل : هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ، ولا تقصد معناها كقولهم : لا أم لك ، ويقويه ما تقدم في بعض الروايات [ ص: 485 ] بلفظ ويحك بدل ويلك ، فإنه يقال : ويلك لمن وقع في هلكة يستحقها ، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها .

                                                                                                          وفي الحديث تكرير الفتوى ، والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر ، وزجر من لم يبادر ، وتوبيخه ، وجواز مسايرة الكبار في السفر ، وأن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها ، واحتج بإطلاقه ، وبقوله تعالى : لكم فيها منافع ( سورة الحج : الآية 33 ) ، من أجاز ركوب الهدي اختيارا حيث لا يضرها .

                                                                                                          ورواه ابن نافع عن مالك ، وكرهه الجمهور ، ومالك في المشهور إلا لضرورة ، لحديث مسلم عن جابر ، مرفوعا : " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا " ، قال المازري : لأنه مقيد والمقيد يقضي على المطلق ، ولأنه شيء خرج عنه لله تعالى فلا يرجع فيه ، ولو أبيح النفع بلا ضرورة أبيح إجارته ، ولا يجوز باتفاق ، ثم إذا ركب للعذر لا يلزمه النزول بعد الراحة استصحابا لإباحة الركوب ، وهو ما رواه ابن القاسم عن مالك ، وعنه أيضا يلزمه لأنه في معنى وجود غيرها ، وقال بعض أهل الظاهر : يجب ركوبها تمسكا بظاهر الأمر ، ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة .

                                                                                                          ورده ابن عبد البر بأن الذين ساقوا الهدي في عهده - صلى الله عليه وسلم - كانوا كثيرا ، ولم يأمر أحدا منهم بذلك ، ويرد عليه ما رواه أحمد : " أن عليا سئل هل يركب الرجل هديه ؟ فقال : لا بأس قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بالرجال يمشون ، فيأمرهم يركبون هدي النبي صلى الله عليه وسلم " ، إسناده صالح ، وله شاهد عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح ، رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء ، قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركبها غير منهكها " قلت : هذا المرسل مقيد بالحاجة ، وعليها يحمل حديث علي ، فلا يرد على أبي عمر ، وفيه أنه لا فرق بين هدي التطوع ، والواجب لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل صاحب البدنة عن ذلك ، فدل على أن الحكم لا يختلف .

                                                                                                          ورواه البخاري ، عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى ، وأبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به ، وتابعه المغيرة بن عبد الرحمن ، عند مسلم ، وسفيان الثوري عند ابن ماجه ، كلاهما عن أبي الزناد به .




                                                                                                          الخدمات العلمية