الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          حدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت قدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري قال مالك في المرأة التي تهل بالعمرة ثم تدخل مكة موافية للحج وهي حائض لا تستطيع الطواف بالبيت إنها إذا خشيت الفوات أهلت بالحج وأهدت وكانت مثل من قرن الحج والعمرة وأجزأ عنها طواف واحد والمرأة الحائض إذا كانت قد طافت بالبيت وصلت فإنها تسعى بين الصفا والمروة وتقف بعرفة والمزدلفة وترمي الجمار غير أنها لا تفيض حتى تطهر من حيضتها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          941 926 - ( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ، أنها قالت : قدمت مكة ) في حجة الوداع ( وأنا حائض فلم أطف بالبيت ) لأنه صلاة ( ولا بين الصفا والمروة ) لتوقفه على سبق الطواف وإن صح بلا طهارة ( فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : افعلي ما يفعل الحاج ) من الوقوف بعرفة ، وغير ذلك ( غير أن لا تطوفي بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري ) بسكون الطاء وضم الهاء ، كذا فيما وقفت عليه من الأصول ، قاله بعض الشراح ، وقال الحافظ بفتح التاء والطاء المهملة والهاء المشددتين على حذف إحدى التاءين ، وأصله تتطهري ، ويؤيده رواية مسلم : حتى تغتسلي ، والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف لو فعلته ، وفي معناها : الجنب والمحدث ، وهو قول الجمهور .

                                                                                                          وقال الحاكم وحماد ومنصور وسليمان : لا بأس بالطواف على غير طهارة ، رواه ابن أبي شيبة ، وفي هذا تعقب [ ص: 567 ] على قول النووي : انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف ، واختلف أصحابه في وجوبها ، وجبره بالدم إن فعله فلم ينفرد بذلك كما ترى ، فلعله أراد انفراده عن الأئمة الثلاثة ، لكن عند أحمد أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم ، وللمالكية قول يوافقه ، انتهى .

                                                                                                          وقال الولي : في الحديث دليل على امتناع الطواف على الحائض ، وهو مجمع عليه ، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة في صحة الطواف ، فقال الجمهور ومالك والشافعي وأحمد باشتراطها ، فالعلة في بطلانه عدم الطهارة ، وقال أبو حنيفة ، وداود : ليست شرطا فالعلة كونها ممنوعة من اللبث في المسجد ، بل ومن دخوله على رأي ، انتهى ، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به .

                                                                                                          ( قال مالك في المرأة التي تهل ) : تحرم ( بالعمرة ) من الميقات ( ثم تدخل مكة موافية للحج ) أي مظلة عليه ومشرفة يقال : أوفى على ثنية كذا ، أي شارفها ، وأظل عليها ، ولا يلزم منه أن يكون دخل فيها ( وهي حائض لا تستطيع الطواف بالبيت ) لفقد شرطه وهو الطهارة ( إنها ) بكسر الهمزة ( إذا خشيت الفوات ) للحج بانتظار الطهر ، وأفعال العمرة بعده ( أهلت بالحج ، وأهدت وكانت ) أي صارت قارنة ( مثل من قرن الحج والعمرة ) ابتداء ( وأجزأ عنها طواف واحد ) لأنه الذي على القارن كما دلت عليه الأحاديث ( والمرأة الحائض إذا كانت قد طافت بالبيت وصلت ) ركعتي الطواف ، ثم حاضت ( فإنها تسعى بين الصفا والمروة ) إذ ليست الطهارة شرطا فيه باتفاق إلا ما روي عن الحسن البصري ، ورواية عن أحمد ، لكن روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحسن مثل ما قال مالك : إذا طافت ثم حاضت قبل السعي فلتسع ، فلعله يفرق بين الحائض والمحدث ( وتقف بعرفة ، والمزدلفة ، وترمي الجمار غير أنها لا تفيض حتى تطهر من حيضتها ) كما قال في الحديث : " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " .

                                                                                                          [ ص: 568 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية