الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في السلب في النفل

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني قال فلقيت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا أبا قتادة قال فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه عنه يا رسول الله فقال أبو بكر لا هاء الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه إياه فأعطانيه فبعت الدرع فاشتريت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          10 - باب ما جاء في السلب في النفل

                                                                                                          990 974 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن عمر ) بضم العين كما رواه الأكثر [ ص: 31 ] ليحيى ، وقوم : عمرو بفتح العين ، وللشافعي : عن ابن كثير ولم يسمه وهما أخوان وعمر بالضم أجل وأشهر وهو الذي في الموطأ ، وليس لعمرو بالفتح إلا عند من صحفه قاله ابن عبد البر ( ابن كثير ) بمثلثة ( ابن أفلح ) بالفاء والحاء المهملة المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره ، وهو تابعي صغير ، وذكره ابن حبان في أتباع التابعين ( عن أبي محمد ) نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة معروف باسمه وكنيته المدني الأقرع الثقة ( مولى أبي قتادة ) حقيقة كما جزم النسائي والعجلي وغيرهما ، وجزم ابن حبان وغيره بأنه قيل له ذلك للزومه وكان مولى عقيلة الغفارية ( عن أبي قتادة ) الحارث أو النعمان أو عمرو ( بن ربعي ) بكسر الراء وسكون الموحدة فمهملة الأنصاري السلمي بفتحتين المدني شهد أحدا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرا ، ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر ( أنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين ) بمهملة ونون واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال في سنة ثمان عقب فتح مكة ( فلما التقينا ) مع المشركين ( كانت للمسلمين جولة ) بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاط وتقدم وتأخر ، وعبر بذلك احترازا عن لفظ هزيمة ، ولم تكن هذه الجولة في الجيش كله بل ثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه أكثر ما قيل فيهم مائة ، وقد نقلوا الإجماع على أنه لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - الانهزام ، ولم يرو قط أنه انهزم في موطن ، بل الأحاديث الصحيحة بإقدامه وثباته في جميع المواطن لا سيما يوم حنين فإنه جعل يركض بغلته نحو الكفار ويقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .

                                                                                                          ثم نزل عن البغلة واستنصر ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فقال : شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين ثم تراجع إليه من ولى من المسلمين .

                                                                                                          ( قال ) أبو قتادة : ( فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ) أي ظهر عليه وأشرف على قتله وصرعه وجلس عليه ليقتله قال الحافظ : لم أقف على اسمهما ( قال : فاستدرت له ) من الاستدارة ويروى فاستدبرت من الاستدبار ( حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف ) وفي رواية الليث عن يحيى بن سعيد عند البخاري : " نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني " قال الحافظ : يختله بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية أي يريد أخذه على غرة ، وعرف منه أن ضمير [ ص: 32 ] ضربته لهذا الثاني الذي يريد أن يختل المسلم ( على حبل عاتقه ) بفتح المهملة وسكون الموحدة عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق بين العنق والمنكب ، وعرف أن قوله في رواية الليث فأضرب يده فقطعتها أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف ، زاد التنيسي : فقطعت الدرع أي التي كان لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها ( فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ) أي شدة كشدته ويحتمل قاربت الموت وفيه إشعار بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا ( ثم أدركه الموت فأرسلني ) أي أطلقني ( قال : فلقيت عمر ) فيه حذف بينه رواية الليث فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر ( بن الخطاب فقلت : ما بال الناس ) قد ولوا ؟ ( فقال : أمر الله ) أي حكم الله وما قضى به أو أراد ما حال الناس بعد التولي ، فقال : أمر الله غالب والعاقبة للمتقين .

                                                                                                          ( ثم إن الناس رجعوا ) تراجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال للعباس : ناد يا معشر الأنصار يا أصحاب سورة البقرة فلما سمعوا نداءه أقبلوا كأنهم الإبل .

                                                                                                          وفي رواية البقر إذا حنت على أولادها يقولون : يا لبيك يا لبيك فتراجعوا فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصدقوا الحملة فاقتتلوا مع الكفار فقال : الآن حمي الوطيس وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا وقتل كثير من المسلمين ، وانهزموا من كل ناحية ، وأفاء الله على رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم .

                                                                                                          ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قتل قتيلا ) أوقع القتيل على المقتول باعتبار ما آل إليه كقوله تعالى : ( إني أراني أعصر خمرا ) ( سورة يوسف : الآية 36 ) ( له عليه بينة فله سلبه ) بفتح المهملة واللام وموحدة ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور .

                                                                                                          وعن أحمد : لا تدخل الدابة .

                                                                                                          وعن الشافعي : يختص بأداة الحرب .

                                                                                                          واتفق الجمهور على أنه لا يقبل قول مدعيه بلا بينة تشهد له أنه قتله لمفهوم قوله له عليه بينة .

                                                                                                          وعن الأوزاعي : يقبل بلا بينة لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه لأبي قتادة بلا بينة وفيه نظر ، ففي مغازي الواقدي أن أوس بن خولي شهد له ، وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه القاتل بطريق من الطرق ، ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفى به .

                                                                                                          ( قال ) أبو قتادة : ( فقمت ثم قلت من يشهد لي ) بقتل ذلك الرجل ( ثم جلست ثم قال ) النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، قال : فقمت ثم قلت : من يشهد لي ثم جلست ثم قال ) النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 33 ] ( ذلك ) القول المرة ( الثالثة فقمت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما لك يا أبا قتادة ؟ ) تقوم وتقعد ( قال : فاقتصصت عليه القصة ) وفي حديث أنس عند أحمد قال أبو قتادة : " إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه " ( فقال رجل من القوم ) وفي رواية الليث من جلسائه ، قال الحافظ : لم أقف على اسمه ، وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي ( صدق يا رسول الله ) أبو قتادة ( وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه ) بهمزة قطع وكسر الهاء ( منه يا رسول الله ، فقال أبو بكر الصديق : لا هاء الله ) بالألفين بهمزة قطع على المشهور في الرواية ، وروي أيضا بلام بعد الهاء من غير إظهار شيء من الألفين ، ويجوز إظهار ألف واحدة بلا همزة نحو : التقت حلقتا البطان وحذف الألف وثبوت همزة القطع ، وفيه الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه ولم يسمع إلا مع الله فلا يقال لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن .

                                                                                                          وقال أبو حاتم السجستاني : العرب تقول هاء الله بالهمز ، القياس تركه .

                                                                                                          وقال الداودي روي يرفع الله أي يأتي الله ، وقال غيره : إن ثبت الرفع رواية فها للتنبيه والله مبتدأ ولا يعمد خبره ، ولا يخفى تكلفه ، وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره وهو قسم أي لا والله ( إذا ) بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة كما في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما ، وقال الخطابي : هكذا يرويه المحدثون ، وإنما هو في كلام العرب لاها الله ذا والهاء بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا .

                                                                                                          ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي عن المازني قول الرواة لاها الله إذا خطأ والصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي .

                                                                                                          وقال أبو زيد ليس في كلامهم إذا وإنما هو ذا وهي صلة في الكلام لا والله هذا ما أقسم به ، وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن لفظ إذا خطأ وإنما هو ذا .

                                                                                                          وقال أبو البقاء : يمكن توجيه الرواية بأن التقدير لا والله لا يعطى إذا ويكون لا يعمد . . . إلخ ، تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه .

                                                                                                          وقال الطيبي : الرواية صحيحة والمعنى صحيح كقولك لمن قال لك افعل كذا : والله إذا لا أفعل ، فالتقدير والله إذ لا يعمد . . . إلخ

                                                                                                          ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء في قول الحماسي :

                                                                                                          إذا لقام بنصري معشر خشن

                                                                                                          .

                                                                                                          في جواب قوله :

                                                                                                          لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

                                                                                                          وقال القرطبي في المفهم : الرواية صواب فالهاء عوض عن واو القسم لأن العرب تقول [ ص: 34 ] في القسم آلله لأفعلن بمد الهمزة وقصرها ، فكأنهم عوضوا من الهمزة هاء فقالوا ها الله لتقارب مخرجيهما ولذا قالوا بالمد والقصر ، وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من أحدهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما تقول : أألله ، والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول ألله .

                                                                                                          وأما إذا فهي بلا شك حرف جزاء وتعليل مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال : " أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذا " فلو قال فلا والله إذا لساوى ما هنا من كل وجه لكنه لم يحتج للقسم فتركه ، فقد وضح تقدير الكلام ومناسبته من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من جعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به ، وليس هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه كلام الفصيح ، ولا مرويا برواية ثابتة ، وما وجد للعذري والعبدري في مسلم أنه لاها الله ذا فإصلاح ممن اغتر بكلام النحاة والحق أحق أن يتبع وقال أبو جعفر الغرناطي ممن أدركناه : استرسل جماعة من القدماء إلى أن اتهموا الأثبات بالتصحيف فقالوا الصواب ذا باسم الإشارة ، ويا عجبا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلات ، وجوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال ابن مالك ، وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط ولا يصح وإنما هو جواب شرط مقدور دل عليه قوله صدق فأرضه ، فكأن أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد فيعطيك حقه فالجزاء صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك وهذا واضح لا تكلف فيه انتهى .

                                                                                                          وهو توجيه حسن ، والذي قبله أقعد ، ويؤيده كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث كحديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت : فقلت : لا والله إذا ، وفي قصة جليبيب بالجيم وموحدتين مصغر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال : حتى أستأمر أمها قال : فنعم إذا فذهب إلى امرأته ، فقالت : لا هاء الله إذا وقد منعناها فلانا ، صححه ابن حبان عن أنس .

                                                                                                          وأخرج أحمد في الزهد عن مالك بن دينار أنه قال للحسن : يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه ، قال : لا هاء الله إذا لا ألبس مثل عباءتك هذه .

                                                                                                          وفي تهذيب الكمال في ترجمة ابن أبي عتيق أنه دخل على عائشة في مرضها فقال : كيف أصبحت جعلني الله فداك ؟ قالت : أصبحت ذاهبة ، قال : فلا إذا وكان فيه دعابة .

                                                                                                          ووقع أيضا في كثير من الأحاديث في سياق الإثبات بقسم وبغير قسم كحديث عائشة في قصة صفية لما قال - صلى الله عليه وسلم - أحابستنا هي ؟ فقيل : إنها طافت فقال : فلا إذا .

                                                                                                          وحديث عمرو بن العاصي في سؤاله عن أحب الناس فقال : عائشة ، قال : لم أعن النساء ؟ قال : فأبوها إذا .

                                                                                                          وحديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال : بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور ، قال : فنعم إذا .

                                                                                                          وروى الفاكهي عن سفيان : لقيت ليطة بن [ ص: 35 ] الفرزدق فقلت : أسمعت هذا الحديث من أبيك ؟ قال : إي ها الله إذا سمعت أبي يقول .

                                                                                                          وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كمالها أفلا أعود لها ؟ قال : بلى ها الله إذا .

                                                                                                          انتهى ما اقتطفته من فتح الباري فقد أطال النفس في ذلك جزاه الله خيرا .

                                                                                                          ثم أراد بيان السبب في ذلك ( لا يعمد ) بالتحتية وكسر الميم أي لا يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إلى أسد ) بفتحتين أي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة ( من أسد الله ) بضم الهمزة والسين ( يقاتل عن الله ورسوله ) أي صدور قتاله عن رضا الله ورسوله أي بسببهما كقوله تعالى : ( وما فعلته عن أمري ) ( سورة الكهف : الآية 82 ) أو المعنى : يقاتل ذبا عن دين الله إعلاء لكلمة الله ناصرا لأولياء الله ، أو يقاتل لنصر دين الله وشريعة رسوله لتكون كلمة الله هي العليا .

                                                                                                          ( فيعطيك سلبه ) أي سلب قتيله الذي قتله بغير طيب نفسه ، فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه ، قال الحافظ : ضبط للأكثر بالتحتية في يعمد ويعطي ، وضبطه النووي بالنون فيهما انتهى .

                                                                                                          وعبارة النووي ضبطوهما بالياء والنون وكلاهما ظاهر .

                                                                                                          ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق ) أبو بكر ( فأعطه ) بهمزة قطع أمر للذي اعترف بأن السلب عنده ( إياه ) أي السلب ، وفي هذه منقبة جليلة لأبي قتادة حيث سماه الصديق من أسد الله وصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فأعطانيه فبعت الدرع ) بكسر الدال وراء وعين مهملتين ، ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق فضة ( فاشتريت به مخرفا ) بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي به لأنه يخترف منه الثمر أي يجتنى ، وإما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها قاله الحافظ ، وظاهر قوله ويجوز أن الرواية بالأول فقط ولا كذلك قال النووي : مخرف بفتح الميم والراء على المشهور ، وقال عياض : رويناه بفتح الميم والراء على المشهور ، وقال عياض : رويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد أي البستان ، وقيل السكة من النخل يكون صفين يخترف من أيها شاء أن يجتني ، وقال ابن وهب : هي الجنينة الصغيرة ، وقال غيره : هي نخلات يسيرة انتهى .

                                                                                                          وفي رواية الليث خرافا بكسر أوله وهو الثمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال : بستان خراف .

                                                                                                          وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين ( في بني سلمة ) بكسر اللام بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة ( فإنه لأول مال تأثلته ) بفوقية فألف فمثلثة أي اقتنيته وأصلته وأثلة كل شيء أصله ( في الإسلام ) وفي رواية ابن إسحاق : أول مال اعتقدته أي جعلته عقدة والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه ، قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي [ ص: 36 ] الأندلسي : سمعت بعض أهل العلم يقول عند ذكر هذا الحديث : لو لم يكن من الصديق إلا هذا فإنه لثاقب علمه وشدة صرامته وقوة إنصافه وصحة تحقيقه بادر إلى القول الحق فزجر وأفتى وأمضى وأخبر في الشريعة عنه - صلى الله عليه وسلم - بحضرته وبين يديه بما صدقه فيه وأجراه على قوله ، وهذا من خصائصه الكبرى إلى ما لا يحصى من فضائله الأخرى انتهى .

                                                                                                          ووقع في حديث أنس أن الذي قال ذلك عمر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين : من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم " وقال أبو قتادة : إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه فقام رجل فقال : أخذتها فأرضه منها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت فسكت فقال عمر : والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها فقال - صلى الله عليه وسلم - : صدق عمر " قال الحافظ : وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم وأبو داود بعض هذا الحديث ، ولكن الراجح أن قائل ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره ، ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر ، واستدل به على أن السلب يستحقه القاتل من كل مقتول بشرط أن يكون من المقاتلة عند الجمهور .

                                                                                                          وقال أبو ثور وابن المنذر : ولو كان امرأة ، وهذا الحديث أخرجه البخاري هنا ، وفي البيع عن القعنبي وفي المغازي عن التنيسي ومسلم من طريق ابن وهب ثلاثتهم عن مالك به ، وتابعه الليث بن سعد في الصحيحين وهشيم عند مسلم كلاهما عن يحيى بن سعيد .




                                                                                                          الخدمات العلمية