الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1000 984 - ( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يضحك الله إلى رجلين ) قال الباجي : هو كناية عن التلقي بالثواب والإنعام والإكرام ، أو المراد تضحك ملائكته وخزنة جنته أو حملة عرشه وذلك أن مثل هذا غير معهود انتهى .

                                                                                                          والنسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد : إن الله ليعجب من رجلين ، قال الخطابي : الضحك الذي يعتري البشر ثم ما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى ، وإنما هذا مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه ومعناه الإخبار عن رضى الله بفعل أحدهما وقبوله للأجر ومجازاتهما على [ ص: 52 ] صنيعهما بالجنة مع اختلاف حاليهما ، وتأول البخاري الضحك على معنى الرحمة وهو قريب وتأويله على معنى أقرب ، فإن الضحك يدل على الرضى والقبول والكرام يوصفون عندما يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء فيكون معنى يضحك الله يجزل العطاء ، وقد يكون معناه يعجب ملائكته ويضحكهم من صنيعهما وهذا مجاز يكثر مثله .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي : كان أكثر السلف يمتنعون من تأويله ويروونه كما جاء .

                                                                                                          وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أن لا تشبه صفات الله صفات الخلق ، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه ، قال الحافظ : ويدل على أن المراد الإقبال بالرضى تعديته بإلى تقول ضحك فلان إلى فلان إذا توجه إليه طلق الوجه مظهرا للرضى عنه .

                                                                                                          ( يقتل ) بفتح أوله ( أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ) زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة : قالوا كيف يا رسول الله ؟ قال : ( يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ) بضم الياء بالبناء للمجهول أي فيقتل الكافر المسلم ( ثم يتوب الله على القاتل ) بأن يهديه إلى الإسلام ( فيقاتل ) الكفار ( فيستشهد ) قال ابن عبد البر : يستفاد من الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة ، قال : ومعناه عند أهل العلم أن القاتل الأول كان كافرا ، قال الحافظ : وهو ما استنبطه البخاري ، ويؤيده أن في رواية همام عند مسلم : " ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد " وأصرح منه ما أخرجه أحمد من طريق الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة : " قيل كيف يا رسول الله ؟ قال : يكون أحدهما كافرا فيقتل الآخر ثم يسلم فيغزو فيقتل " ولكن لا مانع من أن يكون مسلما أيضا لعموم قوله : " ثم يتوب الله على القاتل " كما لو قتل مسلم مسلما عمدا بلا شبهة ثم تاب القاتل واستشهد في سبيل الله ، وإنما يمنع دخول مثل هذا من ذهب إلى أن قاتل المسلم عمدا لا تقبل توبته كابن عباس أخذا بظاهر قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) ( سورة النساء : الآية 93 ) روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس أن الآية نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شيء حتى قبض - صلى الله عليه وسلم - ولأحمد والنسائي عن معاوية مرفوعا : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا " لكن ورد عن ابن عباس خلاف ذلك ، فالظاهر أنه أراد بقوله الأول التشديد والتغليظ ، وعليه جمهور السلف وجميع أهل السنة ، وصححوا توبة القاتل كغيره وقالوا : المراد بالخلود المكث الطويل لتظاهر الأدلة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم ، وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه سفيان عن أبي الزناد به عند مسلم وغيره .




                                                                                                          الخدمات العلمية