الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر رضي الله عنه عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة .

                                                                                                          قال مالك لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة ويجعل الأكبر مما يلي القبلة [ ص: 79 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 79 ] 21 - باب الدفن في قبر واحد من ضرورة

                                                                                                          وإنفاذ أبي بكر - رضي الله عنه - عدة

                                                                                                          ، بكسر العين وفتح الدال مصدر وعد وعدا وعدة في الخير ، ( النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .

                                                                                                          1023 1005 - ( مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ) بصادين مفتوحتين بعد كل عين مهملات الأنصاري المازني ( أنه بلغه ) قال أبو عمر : لم تختلف الرواة في قطعه ويتصل معناه من وجوه صحاح ( أن عمرو ) بفتح العين ( بن الجموح ) بفتح الجيم وخفة الميم وإسكان الواو ومهملة ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري من سادات الأنصار وبني سلمة وأشرافهم .

                                                                                                          روى البخاري في الأدب المفرد والسراج وأبو الشيخ وأبو نعيم عن جابر : " قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سيدكم يا بني سلمة ؟ قالوا : الجد بن قيس على أن نبخله فقال بيده هكذا ومد يده وأي داء أدوأ من البخل ؟ بل سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح " قال : وكان عمرو يولم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تزوج .

                                                                                                          ( وعبد الله بن عمرو ) بفتح العين ابن حرام بن ثعلبة الخزرجي العقبي البدري والد جابر الصحابي المشهور .

                                                                                                          أخرج أبو يعلى .

                                                                                                          وابن السكن عن جابر رفعه : " جزى الله الأنصار خيرا لا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة " ورواه النسائي بلفظ : " لا سيما آل ابن حرام وعمرو " ( الأنصاريين السلميين ) بفتح السين واللام نسبة إلى بني سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار الخزرج ( كانا قد حفر السيل قبرهما ) ولابن وضاح : " عن قبرهما " على تضمين " حفر " معنى " كشف " وإلا فحفر يتعدى بنفسه ( وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد ) روى ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من بني سلمة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح : اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا " وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة قال : " أتى عمرو بن الجموح النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا [ ص: 80 ] رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل تراني أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة ؟ قال : نعم ، وكانت عرجاء فقتل يوم أحد هو وابن أخيه فمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به فقال : إني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة ، وأمر - صلى الله عليه وسلم - بهما ومولاهما فجعلوا في قبر واحد " وأخرجه أحمد بإسناد حسن .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : ليس هو ابن أخيه وإنما هو ابن عمه ، قال الحافظ : وهو كما قال فلعله كان أسن منه ، قال : وابن الجموح كان صديق عبد الله وزوج أخته هند بنت عمرو ( وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ) ؛ أي : لينقلا منه لمكان غيره لأجل السيل ( فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس ) لأن الأرض لا تأكل جسم الشهيد ( وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت ) نحيت ( يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت ) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ( سورة البقرة : الآية 154 ) ( وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة ) وفي الصحيح عن جابر : " كان أبي أول قتيل قتل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته فجعلته في قبر على حدة " وهذا يخالف في الظاهر حديث الموطأ ، وجمع ابن عبد البر بتعدد القصة ونظر فيه الحافظ بأن الذي فيه حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر ، وحديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة ، فأما أن المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة أو أن السيل جرف أحد القبرين حتى صارا واحدا .

                                                                                                          وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال : " حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا : لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما يعني عمرا وعبد الله وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض فأخرجناهما كأنهما دفنا بالأمس " وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد عن جابر .

                                                                                                          ( قال مالك : لا بأس بأن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة ) لا لغيرها لما رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي عن هشام بن عامر الأنصاري قال : " جاءت الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد قالوا : أصابنا قرح وجهد قال : احفروا [ ص: 81 ] وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر " ( ويجعل الأكبر ) في الفضل وإن كان أصغر سنا ( مما يلي القبلة ) لما في الصحيح عن جابر : " كان - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهما أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد " .




                                                                                                          الخدمات العلمية