الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب المستحاضة

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت قالت فاطمة بنت أبي حبيش يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي [ ص: 238 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 238 ] 29 - باب في المستحاضة

                                                                                                          وهي التي لم يرقأ دم حيضتها قاله ابن سيده

                                                                                                          وقال الجوهري استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة

                                                                                                          وقال الأزهري والهروي وغيرهما : الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه قعر رحمها بعد بلوغها ، والاستحاضة جريانه في غير أوانه يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره ، يقال استحيضت المرأة بالبناء للمفعول فهي مستحاضة ، وأصل الكلمة من الحيض والزوائد التي لحقتها للمبالغة كما يقال : قر في المكان ثم يزاد للمبالغة فيقال : استقر ، وأعشب ، ثم يزاد للمبالغة فيقال اعشوشب .

                                                                                                          137 134 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي أنها قالت : قالت فاطمة بنت أبي حبيش : ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ومعجمة واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وهي غير فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية التي طلقت ثلاثا خلافا لظن بعضهم أنها هي والصواب أنها غيرها كما نبه عليه في الفتح

                                                                                                          ( يا رسول الله إني لا أطهر ) قال الباجي : أي لا ينقطع عني الدم ، وفي رواية أبي معاوية عن هشام إني امرأة أستحاض فلا أطهر .

                                                                                                          قال الحافظ : ففيه بيان السبب ، وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن إرساله ، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت : ( أفأدع الصلاة ؟ ) أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة ، أو أن الاستفهام ليس للنفي بل للتقرير فزالت صدريتها ، لكن ينافي هذا أن التقريري حمل المخاطب على الاعتراف بأمر استقر عنده فيؤكد ، ويقتضي أيضا أن يكون عالما وهي هنا ليست عالمة بالحكم ، قال الكرماني : أو الهمزة مقحمة أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف جملة على جملة لعدم انسحاب حكم الأول على الثاني .

                                                                                                          ( فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) زاد في رواية أبي معاوية : " لا أي لا تدعيها " ( إنما ذلك ) بكسر الكاف ( عرق ) بكسر العين يسمى بالعاذل بمهملة وذال معجمة مكسورة ( وليس بالحيضة ) بفتح الحاء كما نقله [ ص: 239 ] الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم ، وإن كان قد اختار هو الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر أي الحيض ، وقال النووي : هو متعين أو قريب من المتعين لأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض .

                                                                                                          قال وأما ما يقع في كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع وانفجر فهي زيادة لا تعرف في الحديث وإن كان لها معنى .

                                                                                                          ( فإذا أقبلت الحيضة ) قال النووي : يجوز هنا الكسر والفتح جوازا حسنا ، قال الحافظ : والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين .

                                                                                                          ( فاتركي الصلاة ) تضمن نهي الحائض عن الصلاة وهو للتحريم ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع وكان بعض السلف يرى للحائض الغسل ويأمرها أن تتوضأ وقت الصلاة وتذكر الله مستقبلة القبلة قاله عقبة بن عامر ، وقال مكحول : كان ذلك من هدي نساء المسلمين ، وقال معمر : بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند كل صلاة واستحسن ذلك عطاء . قال ابن عبد البر : وهذا أمر متروك ، قال أبو قلابة : سألنا عنه فلم نجد له أصلا وجماعة الفقهاء يكرهونه .

                                                                                                          ( فإذا ذهب قدرها ) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها احتمالات للباجي ، وفي رواية أبي معاوية وإذا أدبرت أي الحيضة ( فاغسلي عنك الدم وصلي ) أي بعد الاغتسال كما صرح به في رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري بلفظ : ثم اغتسلي وصلي ، ولم يذكر غسل الدم وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل الدم ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين ، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده ، وفيه اختلاف آخر وهو أن أبا معاوية زاد في آخره : ثم توضئي لكل صلاة ولم ينفرد بذلك ، فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادا انفرد بهذه الزيادة وإليه أومى مسلم وليس كذلك فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة ، والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام ، وفي الحديث دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره ، فإذا انقضى قدره اغتسلت منه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله : " ثم توضئي لكل صلاة " ، وبهذا قال الجمهور .

                                                                                                          وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله : " توضئي لكل صلاة " أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل ، وعند المالكية : يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر .

                                                                                                          وقال أحمد وإسحاق : إن اغتسلت لكل صلاة فهو أحوط ذكره في الفتح .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : ليس في حديث مالك هذا ذكر [ ص: 240 ] الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره ، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل .

                                                                                                          وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، وأبو داود عن القعنبي ، والترمذي ، والنسائي عن قتيبة ، الثلاثة عن مالك به ، وله في الصحيحين وغيرهما طرق عن هشام .




                                                                                                          الخدمات العلمية