الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1676 1626 - ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول ) موقوفا [ ص: 403 ] لجميع رواة الموطأ إلا إسحاق بن بشر الكامل وهو ضعيف متروك الحديث ، فرواه مالك عن يحيى عن سعيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه الدارقطني من طريق حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلا .

                                                                                                          ورواه أيضا من طريق ابن عيينة عن يحيى عن سعيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه البزار من طريق الأعمش عن عمر بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، وذكر ابن المديني أن يحيى لم يسمعه من سعيد وإنما بينهما إسماعيل بن أبي حكيم كما حدث به عبد الوهاب ويزيد بن هارون وغيرهما عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا ، قاله كله ابن عبد البر ملخصا .

                                                                                                          وتعليل ابن المديني ليس بظاهر فإن يحيى ثقة حافظ باتفاق ، وقد صرح بالسماع في بعض طرقه ، فلا مانع أنه سمعه من إسماعيل عن سعيد ثم سمعه من سعيد فحدث به على الوجهين ، كما أن ابن المسيب حدث به مرسلا وموقوفا وموصولا وأيما كان فالحديث صحيح ، وقد أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ألا ) حرف تنبيه يذكر لتحقيق ما بعدها مركبة من همزة الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار ، ولا التي للنفي والإنكار إذا دخل عليه النفي أفاد التحقيق ، ولذا لا يكاد يقع بعدها إلا ما كان مصدرا بنحو ما يتلقى به القسم وشقيقتها ( أما ) التي هي من طلائع القسم ومقدماته ، قاله البيضاوي ( أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة ) زاد في رواية حفص بن غياث : والصيام .

                                                                                                          وفي رواية أحمد ومن بعده : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة " ( قالوا : بلى ) أخبرنا ( قال : صلح ) بضم فسكون ، وفي رواية الجماعة إصلاح ( ذات البين ) أي : صلاح الحال التي بين الناس وإنها خير من نوافل الصلاة وما ذكر معها .

                                                                                                          وقال غيره : أي : إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحة وألفة ، أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم ، وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب ولكثرة ما يندفع من المضرة في الدين والدنيا .

                                                                                                          وفي رواية أحمد ومن بعده - " فإن فساد ذات البين هي الحالقة " بدل قوله ( وإياكم والبغضة ) بكسر الموحدة وإسكان الغين وفتح الضاد المعجمتين وهاء تأنيث : شدة البغض ، وفي رواية : والبغضاء بالفتح والمد وهو أيضا شدته .

                                                                                                          ( فإنها هي الحالقة ) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق ، أي : تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر ، والمراد [ ص: 404 ] المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن ، وقد زاد الدارقطني : قال أبو الدرداء أما إني لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين .

                                                                                                          قال الباجي : أي : أنها لا تبقي شيئا من الحسنات حتى تذهب بها كما يذهب الحلق بشعر الرأس ويتركه عاريا .

                                                                                                          وقال أبو عمر : فيه أوضح حجة على تحريم العداوة وفضل المؤاخاة وسلامة الصدور من الغل .




                                                                                                          الخدمات العلمية