الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب جامع ما جاء في الطعام والشراب

                                                                                                          حدثني عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آرسلك أبو طلحة قال فقلت نعم قال للطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة بالدخول فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          10 - باب جامع ما جاء في الطعام والشراب

                                                                                                          1725 1675 - ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) الأنصاري : ( أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال أبو طلحة ) زيد بن سهل الأنصاري ، زوج أم سليم والدة أنس ( لأم سليم ) - بضم السين - بنت ملحان الأنصارية من الصحابيات الفاضلات اسمها : سهلة ، أو رميلة ، أو رميثة ، أو مليكة ، أو أنيفة ، اشتهرت بكنيتها ، ماتت في خلافة عثمان ، قال الحافظ : اتفقت الطرق على أن هذا الحديث من مسند أنس ، ووافقه عليه أخوه لأمه عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه ، قال : " دخلت المسجد فعرفت في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع " ، والمراد بالمسجد : الموضع الذي أعده [ ص: 468 ] - صلى الله عليه وسلم - للصلاة فيه حين محاصرة الأحزاب للمدينة في غزوة الخندق ، ( لقد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفا أعرف فيه الجوع ) ، وكأنه لم يسمع من صوته حين تكلم الفخامة المألوفة ، فحمله على الجوع للقرينة التي كانوا فيها ، وفيه رد على دعوى ابن حبان ، أنه لم يكن بجوع ، وأن أحاديث ربط الحجر من الجوع تصحيف محتجا بحديث : " أبيت يطعمني ربي ويسقيني " ، وتعقب بأن الأحاديث صحيحة ، فيحمل ذلك على تعدد الحال ، فكان أحيانا يجوع إذا لم يواصل ليتأسى به أصحابه ، ولا سيما من لم يجد شيئا .

                                                                                                          ولمسلم عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس : " جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم ، وقد عصب بطنه بعصابة ، فسألت بعض أصحابه فقال : من الجوع ، فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته ، فدخل على أم سليم فقال : هل من شيء " ، فكأنه لما أخبره جاء فسمع صوته ورآه .

                                                                                                          ولأحمد عن أنس : أن أبا طلحة رآه - صلى الله عليه وسلم - طاويا .

                                                                                                          ولمسلم عن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : " رأى أبو طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن " ، ولأبي نعيم عن أنس : " جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال : أعندك شيء ؟ فإني مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء ، وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع " ، ( فهل عندك من شيء ) يأكله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ( فقالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ) ، جمع قرص بالضم قطعة عجين مقطوع منه .

                                                                                                          ولأحمد : " عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير ، فطحنته " ، وللبخاري : عمدت إلى مد من شعير جشته ، ثم عملته عصيدة ، وفي لفظ : خطيفة بمعجمة ومهملة العصيدة وزنا ومعنى .

                                                                                                          ولمسلم وأحمد : أتى أبو طلحة بمدين من شعير ، فأمر فصنع طعاما ، قال الحافظ : ولا منافاة لاحتمال تعدد القصة ، أو أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر ، ويجمع أيضا بأن الشعير في الأصلي صاع ، فأفردت نصفه لعيالهم ، ونصفه للنبي ، ويدل على التعدد ما بين العصيدة والخبز المفتوت الملتوت بالسمن من المغايرة .

                                                                                                          ( ثم أخذت خمارا ) - بكسر الخاء المعجمة - لها ، ( فلفت الخبز بعضه ) ، أي الخمار ، ( ثم دسته ) ، أي أدخلته بقوة ( تحت يدي ) - بكسر الدال - أي إبطي ، ( وردتني ) - بشد الدال - ( ببعضه ) ، أي جعلته رداء لي ، وللتنيسي : ولاثتني بعضه بمثلثة ، ففوقية ساكنة ، فنون مكسورة ، أي : لفتني ، ( ثم أرسلتني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ) أنس : ( فذهبت به ) بالذي أرسلتني ، ( فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 469 ] جالسا في المسجد ) الموضع الذي أعده للصلاة عند الخندق ، ( ومعه ناس ، فقمت عليهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آرسلك ) - بهمزة ممدودة للاستفهام - ( أبو طلحة ؟ قال ) أنس : ( فقلت : نعم ، قال : للطعام ؟ ) ، أي لأجله ( قال : قلت : نعم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا ) ، ظاهره أنه فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذا قال لمن عنده : قوموا .

                                                                                                          وأول الكلام يقتضي أن أم سليم ، وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس ، فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه - صلى الله عليه وسلم - فيأكله ، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حوله استحى ، وأظهره أنه يدعوه ليقوم معه وحده إلى المنزل ليحصل قصده من إطعامه ، ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله ، عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه ، وقد عرفوا إيثاره ، وأنه لا يأكل وحده ، وأكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعاه ، ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس : " بعثني أبو طلحة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أدعوه ، وقد جعل طعاما " ، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس : " أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه خاصة ، ثم أرسلتني إليه " ، وفي رواية يعقوب عن أنس : " فدخل أبو طلحة على أمي ، فقال : هل من شيء ؟ فقالت : نعم ، عندي كسر من خبز ، فإن جاءنا رسول الله وحده أشبعناه ، وإن جاء أحد معه قل عنهم " .

                                                                                                          وجميع ذلك في مسلم .

                                                                                                          وفي رواية مبارك بن فضالة عند أحمد : " أن أبا طلحة قال : اعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل عندنا ففعلت فقالت : ادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، وفي رواية يعقوب بن عبد الله عن أنس عند أبي نعيم ، وأصله عند مسلم : " فقال لي أبو طلحة : يا أنس اذهب فقم قريبا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه ، ثم اتبعه حتى إذا قام عند عتبة بابه ، فقل له : إن أبي يدعوك " ، ولأبي يعلى عن عمر بن عبد الله عن أنس ، قال لي أبو طلحة : " اذهب فادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللبخاري عن ابن سيرين عن أنس : " ثم بعثني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته وهو في أصحابه فدعوته " ، ولأحمد من رواية النضر بن أنس عن أبيه ، قالت لي أم سليم : " اذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل له : إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل " ، وللبغوي عن يحيى المازني عن أنس : " فقال أبو طلحة : اذهب يا بني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فادعه ، فجئته فقلت : إن أبي يدعوك " ، ولأبي نعيم عن محمد بن كعب عن أنس : " فقال : يا بني اذهب إلى رسول الله فادعه ولا تدع معه غيره ، ولا تفضحني " ، قاله الحافظ ، ولم يتنزل للجمع بين هذه الروايات [ ص: 470 ] العشر وبين مقتضى أول حديث الباب لسهولته ، وهو أنه أرسله يدعوه وحده وأرسل معه الخبز فإن جاء قدموه له ، وإن شق عليه المجيء لمحاصرة الأحزاب أعطاه الخبز سرا .

                                                                                                          وأما اختلاف الروايات في أنه أقراص ، أو كسر من خبز ، فيجمع بأنها كانت أقراصا مكسرة .

                                                                                                          وقوله : اعجنيه وأصلحيه يحمل على تليينه بنحو ماء ، أو سمن ليسهل تناوله ، كأنه كان يابسا ، كما هو شأن الكسر غالبا .

                                                                                                          ( قال : فانطلق ) هو ومن معه ، ( وانطلقت بين أيديهم ) ، وفي رواية يعقوب عن أنس : " فلما قلت له : إن أبي يدعوك ، قال لأصحابه : تعالوا ، ثم أخذ بيدي فشدها ، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنوا أرسل وأنا حزين لكثرة من جاء معه " ، ( حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ) بمجيئهم .

                                                                                                          وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه : " فدخلت على أم سليم وأنا مندهش " ، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى أن أبا طلحة قال : يا أنس فضحتنا .

                                                                                                          وللطبراني الأوسط : فجعل يرميني بالحجارة .

                                                                                                          ( فقال أبو طلحة : يا أم سليم قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس ، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ) ، أي قدر ما يكفيهم ، ( فقالت : الله ورسوله أعلم ) ، أي أنه لم يأت بهم إلا وسيطعمهم ، كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا ليظهر الكرامة في تكثير الطعام ، ودل ذلك على فضل أم سليم ، ورجحان عقلها .

                                                                                                          ( قال : فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، زاد في رواية : فقال : " يا رسول الله ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم " ، وفي أخرى : " إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ، ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى ، فقال : ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك " ، ( فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة معه حتى دخلا ) ، وقعد من معه على الباب ، ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هلمي ) - بالياء على لغة تميم - وفي رواية : هلم بلا ياء على لغة الحجاز لا يثنى ، ولا يجمع ، ولا يؤنث ، ومنه : " هلم إلينا " ، والمراد : الطلب ، أي هات ( يا أم سليم ما عندك ) ، وفيه أن الصديق يأمر في دار صديقه بما يحب ويظهر الأمر والنهي .

                                                                                                          والتحكم لآمره بفت الخبز ، وقول : هلمي ما عندك ، وهذا خلق كريم رفيع ، ولقد أحسن العلوي حين افتخر فقال :

                                                                                                          يستأنس الضيف في أبياتنا أبدا فليس يعرف خلق أينا الضيف

                                                                                                          ( فأتت ) بذلك الخبز الذي كانت أرسلته مع أنس ، ويحتمل أنه لما أخبرها أخذته منه وأنه [ ص: 471 ] كان باقيا معه ، وخاطبها لأنها هي المتصرفة ، ( فأمر به - صلى الله عليه وسلم - ففت ) - بضم الفاء ، وشد الفوقية - أي كسر ، ( وعصرت عليه أم سليم عكة لها ) - بضم المهملة ، وشد الكاف - : إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل .

                                                                                                          ولأحمد عن أنس : " فقال - صلى الله عليه وسلم - هل من سمن ؟ فقال أبو طلحة : قد كان في العكة شيء فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج " ، فيحتمل أنها عصرتها لما أتت بها ، ثم أخذها منها وعصراها استفراغا لما بقي فيها ، أو أنهما ابتدآ عصرها ، ثم حاولت بعد عصرهما إخراج شيء منها ، فلا مخالفة بينه وبين قوله : وعصرت أم سليم ، أو ضمير التثنية في : عصراها لها ولأبي طلحة ، واقتصر هنا على أنها التي عصرت لابتدائها بالعصر وساعدها زوجها ، ( فأدمته ) ، أي صيرت ما خرج من العكة أدما له ، ( ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقول ) ، ولمسلم من رواية سعد بن سعيد عن أنس : " فمسحها ودعا فيها بالبركة " ، ولأحمد عن النضر بن أنس عن أبيه أحمد : " فجئت بها ، أي العكة ففتح رباطها ، ثم قال : بسم الله اللهم أعظم فيها البركة " ، ولأحمد عن بكر بن عبد الله ، وثابت عن أنس : " ثم مسح - صلى الله عليه وسلم - القرص فانتفخ ، وقال : بسم الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتسع " ، ولا ينافيه أن الخبز فت وجعل عليه السمن ; لأنه لما وضع على الفت اجتمع فصار كالقرص الواحد .

                                                                                                          ومر أن أبا طلحة عبر عنها بقرص قبل فتها لقلتها ، وهذا غير ذلك ، ( ثم قال : ائذن لعشرة بالدخول ) ; لأنه أرفق ، ولضيق البيت أو لهما معا ، ( فأذن لهم ) ، ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل وحده وبه صرح .

                                                                                                          وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عند أحمد ، ومسلم عن أنس بلفظ : " فلما انتهى - صلى الله عليه وسلم - إلى الباب قال لهم : اقعدوا ودخل " ، ( فأكلوا حتى شبعوا ) ، وفي رواية لأحمد : " فوضع يده وبسط القرص ، وقال : كلوا باسم الله فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا " ، وفي رواية : " فقال لهم : كلوا من بين أصابعي " ، ( ثم خرجوا ) ، وفي رواية أحمد : " ثم قال لهم : قوموا ، وليدخل عشرة مكانكم " ، ( ثم قال : ائذن لعشرة ) ثانية ، ( فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة ) ثالثة ، ( فأذن لهم ) ، فدخلوا ( فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة ) رابعة فما زال يدخلهم عشرة عشرة ( حتى أكل القوم كلهم [ ص: 472 ] وشبعوا ) . ولمسلم عن سعد بن سعيد عن أنس : " حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع " ، وفي رواية له من هذا الوجه : " ثم أخذ ما بقي فجمعه ، ثم دعا بالبركة ، فعاد كما كان " ، ( والقوم سبعون رجلا ، أو ثمانون رجلا ) بالشك من الراوي .

                                                                                                          وفي مسلم ، وأحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس : " حتى فعل ذلك بثمانين رجلا بالجزم ، وزاد : ثم أكل - صلى الله عليه وسلم - وأهل البيت ، وتركوا سؤرا ، أي فضلا " ، وفي رواية لأحمد : " كانوا نيفا وثمانين ، قال : وأفضل لأهل البيت ما يشبعهم .

                                                                                                          ولا منافاة لاحتمال أنه ألغى الكسر .

                                                                                                          ولمسلم عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس : " وأفضلوا ما بلغوا جيرانهم " ، وفي رواية عمرو بن عبد الله عن أنس في مسلم : " وفضلت فضلة فأهدينا لجيراننا " ، ولأبي نعيم عن ربيعة عن أنس : " حتى أهدت أم سليم لجيرانها " ، قال العلماء : وإنما أدخلهم عشرة عشرة لأنها كانت قصعة واحدة لا يمكن الجماعة الكثيرة أن يقدروا على التناول منها مع قلة الطعام ، فجعلوا كذلك لينالوا من الأكل ، ولا يزدحموا ، أو لضيق البيت أو لهما .

                                                                                                          وقال الحافظ : سئلت في مجلس الإملاء عن حكمة تبعيضهم فقلت : يحتمل أنه عرف قلة الطعام ، وأنه في صحفة واحدة ، فلا يتصور أن يتحلقها ذلك العدد الكثير ، فقيل : لم لا أدخل الكل وينظر من لم يسعه التحلق ، وكان أبلغ في اشتراك الجميع في الاطلاع على المعجزة بخلاف التبعيض بطرقه احتمال تكرر وضع في الطعام لصغر الصحفة ؟ فقلت : يحتمل أن ذلك لضيق البيت .

                                                                                                          وفي رواية للبخاري عن ابن سيرين عن أنس : " أن أمه عمدت إلى مد شعير جشته ، وجعلت منه خطيفة ، وعصرت عكة عندها ، ثم بعثتني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيته وهو في أصحابه ، فدعوته قال : ومن معي ؟ فجئت فقلت : إنه يقول ومن معي ، فخرج إليه أبو طلحة ، فقال : يا رسول الله إنما هو شيء صنعته أم سليم ، فدخل وجيء به وقال : أدخل علي عشرة حتى عد أربعين ، ثم أكل ، ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شيء " ، ولأحمد : " حتى أكل منها أربعون رجلا وبقيت كما هي " ، وهذا يدل على تعدد القصة .

                                                                                                          وفي مسلم عن يعقوب عن أنس : " أدخل علي ثمانية ثمانية ، فما زال حتى دخل عليه ثمانون ، ثم دعاني ودعا أمي ، وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا " ، وهذا أيضا يدل على تعدد القصة ، فإن أكثر الروايات أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه .

                                                                                                          ولأبي يعلى عن محمد ابن سيرين عن أنس : " أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عنده - صلى الله عليه وسلم - طعام فآجر نفسه بصاع غير شعير ، فعمل بقية يومه ذلك " ، ثم جاء به . . . الحديث ، وهذا أيضا يدل على التعدد ، وأن القصة التي رواها ابن سيرين غير القصة التي رواها غيره ، وكذا ما بين الخبز المفتوت الملتوت بالسمن والعصيدة من المغايرة ، انتهى ، ملخصا .

                                                                                                          وحاصله أنه تعدد مرتين مرة سألها فوجد الخبز ففعل ما ذكر في حديث الباب وكانوا ثمانين وأدخلهم [ ص: 473 ] عشرة عشرة ، ومرة لم يسألها بل آجر نفسه بصاع ، وأتى به إليها ، وقال : اعجنيه وأصلحيه فجعلته عصيدة ودعاه فجاء ومعه أربعون ، وأدخلهم ثمانية ثمانية ، وبهذا تتضح الروايات ، لكن يعكر عليه أن رواية يعقوب التي قال فيها : أدخلهم ثمانية ثمانية ، ففيها أنهم ثمانون إلا أن تكون شاذة ، والمحفوظ رواية ابن سيرين : أنهم أربعون لكن فيها : أدخل علي عشرة ، وفي الحديث معجزة باهرة ، وأخرجه البخاري في علامات النبوة ، عن عبد الله بن يوسف ، وفي الأطعمة ، عن إسماعيل ، ومسلم عن يحيى ثلاثتهم عن مالك به ، وأخرجه الترمذي في المناقب ، والنسائي في الوليمة .




                                                                                                          الخدمات العلمية