الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله فقال ألله فقلت ألله فقال ألله فقلت ألله فقال ألله فقلت ألله قال فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1779 1731 ( مالك عن أبي حازم ) - بمهملة ، وزاي - سلمة ( ابن دينار عن أبي إدريس ) ، اسمه عائذ الله بالتحتية ، وذال معجمة ، ابن عبد الله ( الخولاني ) التابعي الجليل ، ولد عام حنين ، ( أنه قال : دخلت مسجد دمشق ) ، بكسر الدال ، وفتح الميم بالشام ، ( فإذا فتى شاب براق الثنايا ) ، أي أبيض الثغر حسنه ، قاله أبو عمر ، وقيل معناه : كثير التبسم ، وفي رواية : أدعج العينين ، وفي أخرى : وضيء الوجه أكحل العينين ، وإذا الناس معه من الصحابة وغيرهم ، وفي رواية : معه من الصحابة عشرون ، وفي أخرى : ثلاثون ، أو نحو ذلك ، فكأنهم فوق العشرين ودون ثلاثين .

                                                                                                          ( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه ) ، أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله : مأخوذ ، من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه ، وفيه لطف هنا ; لأنه جبل علم بنص قوله - صلى الله عليه وسلم - " أعلم أمتي بالحلال ، والحرام معاذ بن جبل " ، ( وصدروا عن قوله ) ، ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس : فإذا اختلفوا في شيء فقال قولا ، انتهوا إلى قوله .

                                                                                                          ( فسألت عنه ، فقيل : هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد هجرت ، فوجدته قد سبقني بالتهجير ) ، أي التبكير إلى كل صلاة ، لحديث : " لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه " ، ولم يرد الخروج في الهاجرة ، قاله الهروي ، قال : وهي لغة حجازية .

                                                                                                          ( ووجدته يصلي ، قال : فانتظرته حتى قضى صلاته ) ، أي أتمها ، ( ثم جئته من قبل ) : جهة ( وجهه ، فسلمت عليه ، ثم قلت : والله إني لأحبك لله ) لا [ ص: 554 ] لغرض ( فقال : آلله ) بمد الهمزة ، والخفض ، ( فقلت : آلله ، قال ) أبو إدريس ، ( فقال معاذ ) ثانيا : ( آلله ، فقلت : آلله ، قال ) أبو إدريس : ( فأخذ ) معاذ ( بحبو ردائي ) - بضم الحاء ، وإسكان الباء - أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء ، فالحبوة : ضم الساقين إلى البطن بثوب ، وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك : فأخذ بحبوتي ، لم يقل : ردائي ، ( فجبذني ) ، تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى : جذبني بتقديم الذال ، وليست مقلوبة كما زعم ، وقد أنكره ابن السراج ، فقال : ليس أحدهما مأخوذا من الآخر ; لأن كل واحد متصرف في نفسه ، أي جرني وسحبني .

                                                                                                          ( وقال : أبشر ) ، بهمزة قطع مفتوحة ، أبشر بالجنة ، ( فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تبارك وتعالى : وجبت ) ، وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم : حقت ( محبتي للمتحابين ) ، بلفظ الجمع هنا ، وفيما بعده ( في ، والمتجالسين في ) ، أي يتجالسون في محبتي بذكري ، وكان الجنيد مشغولا في خلوته ، فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ، ويقول : لو أعلم شيئا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم ، وذلك أن لمجالسة الخواص أثرا في صفاء الحضور ، ونشر العلوم ما ليس لغيرهم .

                                                                                                          ( والمتباذلين في ) ، قال الباجي : الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه ، وغير ذلك مما أمروا به ، وقال غيره : أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه ، وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق ببذل نفسه ليلة الغار ، وبذل ماله .

                                                                                                          ( والمتزاورين في ) ، لا لغرض دنيوي ، ولا أخروي .

                                                                                                          زاد الطبراني في روايته : والمتصادقين في ، وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه ، فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه ، وروح الجلال أعظم شأنا من أن يوصف ، فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقا إليه ، فهم محبوسون بهذا الهيكل ، فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافا ، وتلذذا ، وشوقا لمحبوبهم الأعظم ، فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب ، وهذا الحديث صحيح ، قال الحاكم على شرط الشيخين .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : هذا إسناد صحيح ، وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ ، وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس : أدركت عبادة بن الصامت ، وفلانا ، وفلانا وفاتني معاذ بن جبل ، ولذا قال قوم وهم مالك ، فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني ، وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ ، وقال آخرون : غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ ، إنما هو عن عبادة بن [ ص: 555 ] الصامت ، وهذا كله تخرص ، وظن لا يغني من الحق شيئا ، فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم ، وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم : الوليد بن عبد الرحمن ، وعطاء الخراساني ، كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ ، وشهر بن حوشب : حدثني عائذ الله بن عبيد الله : أنه سمع معاذ بن جبل يقول : إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه ، فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذا ، وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ، ولا على أبي حازم ، فيحمل قول ابن شهاب عنه : فاتني معاذ ، على فوات لزوم وطول مجالسته ، أو فاتني في حديث كذا ، أو معنى كذا ، وليس سماعه منه بمنكر ، فإنه ولد يوم حنين ، ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة ، وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ، ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة ، لجواز أن عبادة ومعاذا وغيرهما سمعوا ذلك منه ، انتهى ، ملخصا .




                                                                                                          الخدمات العلمية