الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقتسم ورثتي دنانير ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1871 1824 - ( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تقسم ) بفوقية أوله ، وتحتية روايتان ، وفي رواية : بتاء بعد القاف ، وأخرى بحذفها ، ( ورثتي ) ، قال ابن عبد البر : الرواية برفع الميم على الخبر - يعني الرواية المشهورة - ففي فتح الباري بإسكان الميم على النهي ، وبضمها على النفي وهو الأشهر ، وبه يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما تقدم عن عائشة وغيرها أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك ما لا يورث عنه ، وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئا ، بل كان ذلك محتملا ، فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق أنه خلف ، وسماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة ، لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعي ، وهو قوله : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " ، انتهى ، يعني لو كنت ممن يورث ، زاد التقي السبكي : أو المراد لا يقسم مال تركته لجهة الإرث ، فأتى بلفظ : ورثتي ليكون الحكم معللا بما به الاشتقاق ، وهو الإرث ، فالمنفي قسمهم بالإرث عنه ( دنانير ) ، كذا ليحيى بالجمع ، ولسائر الرواة دينارا بالإفراد ، قال ابن عبد البر وهو الصواب ، انتهى .

                                                                                                          قيل : وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى .

                                                                                                          ولمسلم من رواية ابن عيينة عن أبي الزناد : ولا درهما ، وهي زيادة حسنة ، تابعه عليها سفيان الثوري عند الترمذي في الشمائل ، قال بعضهم : ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي ، فيتحد معنى الروايتين ، ويستفاد من رواية الرفع أنه أخبر أنه لا يخلف شيئا مما جرت العادة بقسمه [ ص: 659 ] كالذهب والفضة ، وأن الذي يخلفه من غيرهما لا يقسم أيضا بطريق الإرث ، بل يقسم منافعه لمن ذكر في قوله ، ( ما تركت بعد نفقة نسائي ) ويدخل فيه كسوتهن ، وسائر اللوازم كالمساكين لأنهن محبوسات عن الزواج بسببه ، أو لعظم حقوقهن لفضلهن ، وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ، ولأنهن كما قال ابن عيينة في معنى المعتدات : لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدا ، فجرت لهن النفقة ، وتركت حجرهن لهن يسكنها .

                                                                                                          ( ومؤنة عاملي ) ، قيل : هو الخليفة بعده ، وهذا هو المعتمد ، والموافق لما في حديث عمر في الصحيح ، وقيل : العامل على النخل ، وبه جزم الطبراني ، وابن بطال ، وأبعد من قال هو حافر قبره ، وقيل : خادمه وقيل : عامل الصدقة ، وقيل : العامل فيها كالأجير ، واستدل به على أجرة القاسم ، قاله الحافظ .

                                                                                                          وقال الباجي : المراد كل عامل يعمل للمسلمين من خليفة ، أو غيره ، قام بأمر من أمور المسلمين ، وبشريعته فهو عامل له - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يكفى مؤنته ، وإلا ضاع .

                                                                                                          ( فهو ) ، أي المتروك بعدما ذكر ( صدقة ) ، معنى لأني لا أورث ، أو لا أخلف مالا ، فإن قيل : ما وجه تخصيص النساء بالنفقة ، والمؤنة للعامل ، وهل بينهما فرق ؟ أجاب التقي السبكي ، كما في الفتح بأن المؤنة في اللغة : القيام بالكفاية ، والإنفاق بدل القوت ، وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة ، والسر في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه - صلى الله عليه وسلم - لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، كان لا بد لهن من القوت ، فاقتصر على ما يدل عليه ، والعامل لما كان في صورة الأجير ، فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه .

                                                                                                          وفي الصحيح عن عروة : فكانت هذه الصدقة بيد علي منعها علي عباسا ، فغلبه عليها ، أي بالتصرف فيها ، وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل لنفسه ، قال : ثم بيد حسن بن علي ، ثم بيد حسين ، ثم بيد علي بن حسين ، وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ، ثم بيد زيد بن حسن ، وهي صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقا .

                                                                                                          زاد عبد الرزاق عن معمر : ثم كانت بيد عبد الله بن حسن ، حتى ولى هؤلاء ; يعني بني العباس ، فقبضوها .

                                                                                                          وزاد إسماعيل القاضي : أن إعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان ، قال عمر بن شعبة : سمعت محمد بن يحيى المدني أن الصدقة المذكورة مكثت في عهده يولي عليها من قبله من يقبضها ، ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة ، قال الحافظ : كان ذلك على رأس المائتين ، ثم تغيرت الأمور ، وهذا الحديث رواه البخاري في الوصايا ، والخمس عن عبد الله بن يوسف ، وفي الفرائض عن إسماعيل ، ومسلم في المغازي عن يحيى ، الثلاثة عن مالك به ، وأبو داود في الخراج .




                                                                                                          الخدمات العلمية