الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأستحبها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          360 358 - ( مالك عن ابن شهاب ) الزهري ( عن عروة بن الزبير ) بن العوام ( عن عائشة [ ص: 527 ] زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط ) بضم السين أي نافلته وأصلها التسبيح ، وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة ، فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها كالتسبيح في الفريضة ، قال في التمهيد : كان الزهري يفتي بحديث عائشة هذا ويقول : إنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الضحى قط وإنما كان أصحابه يصلونها بالهواجر ولم يكن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وابن عمر يصلونها ولا يعرفونها .

                                                                                                          ( وإني لأستحبها ) بفتح الهمزة والفوقية وكسر الحاء المهملة وبالموحدة المشددة .

                                                                                                          قال الباجي : كذا رواية يحيى .

                                                                                                          ورواه غيره : لأسبحها أي بضم الهمزة وكسر الموحدة الثقيلة أي أتنفل بها ، قال الحافظ : ولكل وجه ، لكن الثانية تقتضي الفعل بخلاف الأولى فلا تستلزمه ، وجاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة رواها مسلم ، فله من طريق عبد الله بن شقيق قلت لعائشة : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه " ، وعنده من طريق معاذة عنها : كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله " ففي الأول نفي رؤيتها لذلك مطلقا ، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه ، وفي الثالث الإثبات مطلقا ، واختلف العلماء في ذلك فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عليه الشيخان عنها يعني حديث مالك هذا دون ما انفرد به مسلم وقالوا : إن عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدم من روى عنه من الصحابة الإثبات انتهى .

                                                                                                          وبه يعلم أن قول ابن عبد البر : حديث معاذة عن عائشة منكر غير صحيح مردود بحديث الباب معناه كصحة ما اتفق عليه الشيخان ، وليس مراده تضعيفه الحقيقي فسقط تعجب السيوطي منه وإنه لا سبيل إلى عدم صحة ما في مسلم ، وذهب آخرون إلى الجمع ، قال البيهقي : عندي أن المراد بقولها ما رأيته يسبحها أي يداوم عليها ، وقولها : وإني لأسبحها أي أداوم عليها ، وكذا قولها : وما أحدث الناس شيئا يعني المداومة عليها ، قال : وفي بقية الحديث إشارة إلى ذلك قال : ( وإن ) بكسر فسكون مخففة من الثقيلة أي وإنه ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع ) بفتح اللام أي يترك ( العمل وهو يحب أن يعمله خشية ) بالنصب أي لأجل خشية ( أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) بالنصب عطف على يعمل وليس مرادها تركه أصلا وقد فرض عليه أو ندبه ، بل ترك أمرهم أن يعملوه معه لما مر أنهم لما اجتمعوا في رمضان للتهجد معه لم يخرج إليهم في الليلة الرابعة ، ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم خربه تلك الليلة ، وجمع ابن حبان بين قولها : ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه ، وقولها : كان يصلي أربعا ويزيد ما شاء الله بأن الأولى محمولة على صلاته إياها في المسجد والثاني على البيت ، ويعكر [ ص: 528 ] عليه حديث الباب ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة .

                                                                                                          وقال عياض وغيره : قولها : ما صلاها معناه ما رأيته يصليها ، والجمع بينه وبين قولها كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها وفي الإثبات عن غيرها ، وجمع أيضا باحتمال أنها نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص ، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص كما قالت كان يصلي أربعا ويزيد ما شاء الله ، هذا وحديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه وعدها جماعة من خصائصه صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يثبت ذلك في خبر صحيح .

                                                                                                          وقول الماوردي : إنه واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات يعكر عليه ما في مسلم في حديث أم هانئ أنه لم يصلها قبل ولا بعد ، ولا يقال : إن نفي أم هانئ يلزم منه العدم .

                                                                                                          لأنا نقول : يحتاج من أثبته إلى دليل ولو وجد لم يكن حجة لأن عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملا أثبته ، فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب انتهى .

                                                                                                          وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك ، وتابعه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب في البخاري وغيره .




                                                                                                          الخدمات العلمية