الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم قال يحيى قال مالك الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل من الجسد ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          41 39 - ( مالك عن زيد بن أسلم ) العدوي وكان من العلماء بالتفسير وله كتاب فيه ( أن تفسير هذه الآية ) وهي : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ( سورة المائدة : الآية 6 ) أي معها كما بينته السنة ، ففي مسلم وغيره أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد . الحديث ثم قال : هكذا رأيت [ ص: 131 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وكذا الإجماع كما حكاه الشافعي ، فهو حجة على زفر لانعقاد الإجماع قبله على خلافه كما مر وامسحوا برءوسكم أي رءوسكم كلها بالماء فزيدت الباء لتفيد ممسوحا به وأرجلكم بالنصب عطفا على أيديكم والجر على الجوار إلى الكعبين أي معهما كما بينته السنة .

                                                                                                          ( أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم ) وهذا التفسير موافق لقول أكثر السلف أن التقدير إذا قمتم محدثين ، وقيل : لا تقدير بل الأمر على عمومه لكنه في حق المحدث على الإيجاب وفي غيره على الندب .

                                                                                                          واختلف العلماء أيضا في موجب الوضوء فقيل : يجب بالحدث وجوبا موسعا ، وقيل : به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية ، وقيل : بالقيام إلى الصلاة فقط لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " رواه أصحاب السنن عن ابن عباس ، واستنبط بعض العلماء من الآية إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير : إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضئوا لأجلها ، ومثله قولهم : إذا رأيت الأمير فقم لأجله .

                                                                                                          ( قال مالك : الأمر ) المعمول به ( عندنا ) بالمدينة ( أنه لا يتوضأ من رعاف ) خروج الدم من الأنف ( ولا من دم ) خرج من الجسد ولو بحجامة وفصد .

                                                                                                          ( ولا من قيح يسيل من الجسد ) وفي رواية : " ولا من شيء يسيل " وهي أعم ، وسواء كان طاهرا أو نجسا ، لأن الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بسنة أو إجماع ولم يرد في ذلك سنة ولا إجماع .

                                                                                                          ( ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر ) وهو البول والمذي والمني في بعض أحواله .

                                                                                                          ( أو دبر ) وهو الغائط والريح ولو بلا صوت .

                                                                                                          ( أو نوم ) ثقيل زاد ابن بكير أو مباشرة أي لمس بلذة أو قصد ، وذكر النوم مع الحدث لأن النوم إذا ثقل كان من باب الحدث في الأغلب ، وكذا يتوضأ من مس الذكر ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ " فقال رجل من حضرموت : ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : فساء أو ضراط .

                                                                                                          رواه البخاري وغيره ، وإنما فسره أبو هريرة بهما تنبيها بالأخف على الأغلظ ، وأنه أجاب السائل بما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمور ، وإلا فالحدث يطلق على الخارج المعتاد ، وعلى نفس الخروج ، وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية ، وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من الثلاثة ، وقد جعل في الحديث الوضوء رافعا للحدث فلا يعني به الخارج ولا نفس الخروج لأن الواقع لا يرتفع فلم يبق إلا أنه يعني المنع والصفة .




                                                                                                          الخدمات العلمية