الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم يكن الآخر مسلما قالوا بلى يا رسول الله وكان لا بأس به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريكم ما بلغت به صلاته إنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر عذب بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك يبقي من درنه فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          422 423 - [ ص: 602 ] ( مالك أنه بلغه ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه أنه قال : كان رجلان أخوان فهلك ) أي مات وهي لفظة ليست مستنكرة في كلام العرب والزمن القديم ، قال تعالى : حتى إذا هلك ( سورة غافر : الآية 34 ) فأما الآن فاستعملوها فيمن مات كافرا أو ظاهرا فجوره ، فلا يجوز استعمالها الآن في المسلم الميت .

                                                                                                          ( أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فيه جواز الثناء على الميت والإخبار بفضله ، ومنه الحديث : " أنتم شهداء الله في الأرض " وإنما يجوز الثناء بفعله ولا يخبر بما يصير إليه ؛ لأنه أمر مغيب عنا ، وأما الحي فإن خيف فتنته بذكر محاسنه منع لقوله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح : " أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل " وإن لم يخف جاز لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إيه يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " قاله الباجي .

                                                                                                          فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( " ألم يكن الآخر " ) بكسر الخاء المتأخر في الوفاة وفتحها ؛ أي : الأخ الذي تأخرت وفاته ، عن أخيه ( مسلما ؟ قالوا : بلى يا رسول الله وكان لا بأس به ) قال الباجي : هذه اللفظة تستعمل في التخاطب فيما يقرب معناه ، ولا يراد المبالغة بتفضيله ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريكم ما بلغت به صلاته ) في الأربعين ليلة التي عاشها بعد أخيه ( إنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر ) بفتح المعجمة وسكون الميم ؛ أي : كثير الماء ( عذب بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك يبقي ) بالباء لا بالنون قاله أبو عمر ( من درنه ) أي : وسخه ( فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته ) أعاده زيادة تأكيد في البعد عن التفضيل بلا علم .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : فيه دلالة على أن الماء العذب أنقى للدرن ، كما أن الكثير أشد إنقاء من اليسير .

                                                                                                          قال أبو زرعة الرازي : خطر ببالي تقصيري في الأعمال فكبر علي ، فرأيت في منامي آتيا أتاني فضرب بين كتفي ، وقال : قد أكثرت في العبادة ؛ أي عبادة أفضل من الصلوات الخمس في جماعة .

                                                                                                          قال أعني ابن عبد البر : لا تحفظ قصة الأخوين من حديث سعد إلا في بلاغ مالك هذا ، وقد أنكره البزار وقطع بأنه لا [ ص: 603 ] يوجد من حديث سعد البتة ، وما كان ينبغي له ذلك ؛ لأن مراسيل مالك أصولها صحاح وجائز أن يرووا هذا الحديث سعد وغيره ، وقد رواه ابن وهب ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه مثل حديث مالك سواء ، وأظن مالكا أخذه من كتب بكير أو أخبره به عنه مخرمة ابنه ، فإن ابن وهب انفرد به لم يروه أحد غيره فيما قال جماعة من أهل الحديث ، وتحفظ قصة الأخوين من حديث طلحة بن عبيد الله وأبي هريرة وعبيد بن خالد ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية