الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
954 [ ص: 62 ] مالك ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرما فآذاه القمل في رأسه ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق رأسه ، وقال له : صم ثلاثة أيام , أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان , أو انسك بشاة ، أي ذلك فعلت أجزأ عنك .

التالي السابق


قال أبو عمر : هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك ، عن عبد الكريم الجزري ، عن ابن أبي ليلى ، وتابعه أبو المصعب , وابن بكر , والقعنبي , ومطرف , والشافعي , ومعن بن عيسى , وسعيد بن عفير , وعبد الله بن يوسف التنيسي , ومصعب الزبيري , ومحمد بن المبارك الصوري ، كل هؤلاء رووه عن مالك كما رواه يحيى ، لم يذكروا مجاهدا في إسناد هذا الحديث . ورواه ابن وهب ، وابن القاسم ، ومكي بن إبراهيم ، عن مالك ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، وذكر الطحاوي أن القعنبي رواه هكذا كما رواه ابن وهب ، وابن القاسم ، فذكر فيه مجاهدا . قال أبو عمر : الصواب في إسناد هذا الحديث قول من جعل فيه مجاهدا بين عبد الكريم وبين ابن أبي ليلى ، ومن أسقطه فقد أخطأ فيه - والله أعلم . وزعم الشافعي أن مالكا هو الذي وهم فيه ، فرواه عن عبد الكريم ، عن ابن أبي ليلى ، وأسقط من إسناده مجاهدا . [ ص: 63 ] قال أبو عمر : وعبد الكريم لم يلق ابن أبي ليلى ولا رآه ، والحديث محفوظ لمجاهد عن ابن أبي ليلى من طرق شتى صحاح كلها ، وهذا عند أهل الحديث أبين من أن يحتاج فيه إلى استشهاد ؛ وتوفي مجاهد بن جبر ، - ويقال : ابن جبير ، والأكثر يقولون ابن جبر - سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة ، ويقولون إنه مات ساجدا . حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة الأنصاري ، أنه حدثه أنه كان أهل في ذي القعدة وأنه قمل رأسه ، فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوقد تحت قدر له ، فقال له : كأنك يؤذيك هوام رأسك ، قال : أجل ؛ قال : احلق رأسك ، واهد هديا ؛ فقال : ما أجد هديا ، قال : فأطعم ستة مساكين ، فقال : ما أجد ، فقال : صم ثلاثة أيام ، قال : فحلقت وصمت . قال أبو عمر : في رواية أبي الزبير لهذا الحديث عن مجاهد - وهو تابع مثله - ما يدلك على أنه حديث احتيج فيه إلى مجاهد ، وهو معروف به عند الحجازيين ، وقد روى هذا الحديث عن مجاهد جماعة جلة ، منهم : أيوب السختياني , وابن أبي نجيح , وحميد بن قيس ، وغيرهم . وأما رواية إبراهيم بن طهمان لهذا الحديث على الترتيب ، فلم يتابع عليها في رواية مجاهد له - والله أعلم . ورواية من روى فيه التخيير أكثر , وقد ذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في باب حميد بن قيس ، وسيأتي منها كثير أيضا في باب عطاء الخراساني - إن شاء الله . [ ص: 64 ] وقد روى هذا الحديث مكي بن إبراهيم عن مالك ، كما رواه ابن وهب ، وابن القاسم : حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي أبو القاسم ، قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن النحوي ، قال حدثنا أحمد بن الخباب ، قال حدثنا مكي بن إبراهيم ، عن مالك بن أنس ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم محرما - فذكر الحديث كما تقدم عن مالك حرفا بحرف ؛ وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من الأحكام والمعاني في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا ، فلا معنى لتكرير ذلك هاهنا . ولفظ حديث مالك هذا عن عبد الكريم مستعمل عند جميع العلماء فيمن حلق رأسه من أذى وضرورة ، لا يختلفون في شيء منه . وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، ومعان في بعضها تفاوت ، وقد ذكرنا ذلك كله أو أكثره وذكرنا تنازع العلماء فيه في باب حميد بن قيس - والحمد لله . وحديث مالك هذا أحسن ما نقل عن كعب بن عجرة في قصته هذه ; لأن ما فيه لمن حلق من ضرورة ، قد اتفق العلماء عليه ، إلا أن اختلافهم في موضع الدم والإطعام أيضا على ما قدمنا في باب حميد بن قيس ، وفي نحر علي بن أبي طالب عن ابنه الحسين بالسقيا جزورا حين حلق رأسه من المرض الذي أصابه - ما تسكن النفس إليه لظهوره وعلوه - وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية