الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
575 حديث ثالث لعمرو بن يحيى .

مالك ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه أنه قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة .

التالي السابق


هذا حديث صحيح الإسناد عند جميع أهل الحديث ، وأما حديث مالك ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا المتن فخطأ في الإسناد ، وإنما هذا الحديث محفوظ ليحيى بن عمارة ، عن أبي سعيد الخدري ، وقد ذكرنا الرواية الصحيحة في ذلك في باب محمد بن أبي صعصعة من كتابنا هذا ، والحمد لله [ ص: 134 ] وهذا الحديث رواه عن عمرو بن يحيى جماعة من جلة العلماء احتاجوا إليه فيه ، ورواه عن أبيه أيضا جماعة ، والحديث صحيح بهذا الإسناد .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا حمزة بن محمد ، وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال : حدثنا محمد بن معاوية قالا : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار قالا : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، وشعبة ، ومالك ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس فيما دون خمسة أوسق ولا فيما دون خمس ذود ، ولا فيما دون خمس أواق فضة صدقة " ، قال : وأخبرنا عيسى بن حماد قال : أخبرنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس فيما دون خمس ذود ، ولا فيما دون خمس أواق صدقة ، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة ، قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا روح بن القاسم قال : حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل في البر والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق ، ولا تحل في الورق زكاة حتى تبلغ خمسة أواق ، ولا تحل في الإبل زكاة حتى تبلغ خمس ذود قال : وأخبرنا أحمد بن عبدة قال : أخبرنا حماد ، عن يحيى بن سعيد ، وعبيد الله بن عمر ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس فيما دون خمس أواق صدقة ، ولا فيما دون خمس ذود صدقة ، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة .

[ ص: 135 ] قال : وأخبرنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن يحيى بن عمارة ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق ، ولا فيما دون خمس ذود ، ولا فيما دون خمس أواق صدقة ، قال حمزة : لم يذكر أحد في هذا الحديث " في حب " غير إسماعيل بن أمية ، وهو ثقة قرشي من ولد سعيد بن العاص ، قال : وهذه السنة لم يروها عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من أصحابه غير أبي سعيد الخدري .

قال أبو عمر :

هو كما قال حمزة .

لم يقل أحد في هذا الحديث " " من حب " غير إسماعيل بن أمية ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن يحيى بن عمارة ، عن أبي سعيد الخدري ، وقد قيل : إن هذا الحديث ليس يأتي من وجه لا مطعن فيه ولا علة ، عن أبي سعيد الخدري ، إلا من حديث يحيى بن عمارة عنه من رواية ابنه عمرو بن يحيى عنه ، ومن رواية محمد بن يحيى بن حبان عنه ، وقد روي من حديث ابن أبي صعصعة ، عن أبي سعيد الخدري ، وقد مضى ذكر العلة فيه بهذا الإسناد ، وقد وجدناه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن :

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن إسحاق ، عن ابن المبارك ، عن معمر قال : حدثني سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس فيما دون خمسة أوساق صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة .

[ ص: 136 ] وروى أبو البختري ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة رواه وكيع ، وغيره ، عن إدريس الأودي ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، ويقولون : إن أبا البختري لم يسمع من أبي سعيد الخدري .

قال أبو عمر :

قد روى أبو البختري ، عن أبي سعيد الخدري أحاديث غير هذا ، وسنه فوق إدراك أبي سعيد ، وقد تقدم عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، ولكنه محفوظ ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال : حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار قال : كان جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صدقة في شيء من الزرع ، أو النخل ، أو الكرم حتى يكون خمسة أوسق ، ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم وهذه سنة جليلة تلقاها الجميع بالقبول .

قال أبو عمر :

أما قوله : ليس فيما دون خمس ذود صدقة ، فالذود واحد من الإبل ، فكأنه قال : ليس فيما دون خمس من الإبل ، أو خمس إبل ، أو خمس جمال ، أو خمس نوق - صدقة . والذود واحد ( من هذه كلها ) ومنه قيل : الذود إلى الذود إبل . وقد قيل : إن الذود : القطعة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر ، والأول أكثر وأشهر ، قال [ ص: 137 ] الحطيئة :

ونحن ثلاثة وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيالي

أي مال عليهم .

والصدقة : الزكاة المعروفة ، وهي الصدقة المفروضة ، سماها الله صدقة ، وسماها زكاة ، قال : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) وقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ، يعني الزكوات ، وقال : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وقال : ( الذين لا يؤتون الزكاة ) فهي الصدقة وهي الزكاة ، وهذا ما لا تنازع فيه ، ولا اختلاف ، ففي هذا الحديث دليل على أن ما كان دون خمس من الإبل فلا زكاة فيه ، وهذا إجماع أيضا من علماء المسلمين ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ، واسم الشاة يقع على واحدة من الغنم ، والغنم : الضأن ، والمعز جميعا ، وهذا أيضا إجماع من العلماء أنه ليس في خمس من الإبل إلا شاة واحدة وهي فريضتها إلى تسع ، فإذا بلغت الإبل عشرا ففيها شاتان وهي فريضتها إلى أربع عشرة ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه وهي فريضتها إلى عشرين ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه وهي فريضتها إلى أربع وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض وهي ابنة حول كامل ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، وقد وصفنا أسنان الإبل كلها من أولها إلى آخرها ما يؤخذ منها في الصدقات وفي الديات ، في باب عبد الله بن أبي بكر من هذا الكتاب ، فلا معنى لإعادة ذلك ههنا [ ص: 138 ] وابنة مخاض ، أو ابن لبون ، إن لم توجد ابنة مخاض فريضة خمس وعشرين من الإبل إلى خمس وثلاثين منها ، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون وهي فريضتها إلى خمس وأربعين ، فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة ، وهي فريضتها حتى تبلغ ستين ، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة ، وهي فريضتها إلى خمس وسبعين ، فإذا كانت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون ، وهي فريضتها إلى تسعين ، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان وهي فريضتها إلى عشرين ومائة ، فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة فهذا موضع اختلاف بين العلماء ، وكل ما قدمت لك إجماع لا خلاف فيه ، وأما اختلافهم في هذا الموضع ، فإن مالكا قال : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين .

قال ابن القاسم : وقال ابن شهاب : إذا زادت واحدة على عشرين ومائة ، ففيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة ، وابنتا لبون . قال ابن قاسم : يتفق ابن شهاب ومالك في هذا ، ويختلفان فيها بين واحد وعشرين ومائة ، إلى تسع وعشرين ومائة . قال ابن القاسم : ورأيي على قول ابن شهاب .

وذكر ابن حبيب أن عبد العزيز بن أبي سلمة ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وابن دينار ، يقولون بقول مالك : إن الساعي مخير إذا زادت الإبل على عشرين ومائة في حقتين ، أو ثلاث بنات لبون ، كما قال مالك . وذكر أن المغيرة المخزومي كان يقول : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها حقتان إلى ثلاثين ومائة ، وليس الساعي في ذلك مخيرا . قال : وأخذ عبد الملك بن الماجشون بقول المغيرة في ذلك .

[ ص: 139 ] .

قال أبو عمر :

إذا بلغت الإبل ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون بإجماع من العلماء ; لأن الأصل في فرائض الإبل المجتمع عليها : في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فلما احتملت الزيادة على عشرين ومائة للوجهين جميعا وقع الاختلاف كما رأيت ، للاحتمال في الأصل .

وقال الشافعي ، والأوزاعي : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ، وفي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استقبل الفريضة ، وهذا الذي ذكرت لك أنه إجماع من العلماء في هذا الباب هو الثابت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الكافة ، ونقله الآحاد أيضا في كتاب عمرو بن حزم وغيره وفي كتاب أبي بكر الصديق وعمر الفاروق إلى العمال ، وهو المعمول به عند جماعة العلماء في جميع الآفاق ، والأحاديث في ذلك كثيرة قد ذكرها المصنفون ، وكثروا فيها ، وما ذكرنا وحكينا يغني عنها ، وأحسن شيء منها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا المطلب بن شعيب قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب في الصدقات ، قال ابن شهاب : هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب . قال يونس : حدثني ابن شهاب قال : أقرأنيها سالم فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله ، وسالم ابني عبد الله بن عمر ، وأمر عماله بالعمل بها ، ولم يزل الخلفاء يعملون بها . وهذا كتاب تفسيرها :

لا يؤخذ في شيء من الإبل صدقة حتى تبلغ خمس ذود ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة حتى تبلغ عشرا ، فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان حتى تبلغ خمس عشرة ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ عشرين ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه حتى تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا [ ص: 140 ] بلغت خمسا وعشرين افترضت فكان فيها فريضة ابنة مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل حتى تبلغ ستين ، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة حتى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون حتى تبلغ تسعين ، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة ، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة ، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة ، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا بلغت سبعين ومائة ففيها حقة وثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا بلغت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق ، وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون ، أي السنين وجدت أخذت .

ولا تؤخذ من الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان حتى تبلغ مائتي شاة ، فإذا كانت مائتي شاة وشاة ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا زادت على ثلاثمائة شاة ففي كل مائة شاة ، فليس فيها إلا ثلاث شياه حتى تبلغ أربعمائة شاة ، ففيها أربع شياه حتى تكون خمسمائة ففيها خمس شياه . ثم ذكرها هكذا إلى ألف فيكون فيها عشر شياه في كل مائة [ ص: 141 ] شاة شاة .

قال : ثم كلما زادت مائة ففيها شاة .

وليس في الورق ، صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل أربعين درهما زاد على مائتي درهم درهم ، وليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل ما يبلغ صرفه أربعين درهما درهم حتى تبلغ أربعين دينارا ، فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار ، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي صرف أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعين دينارا دينار وليس في السوائم من الإبل ، والبقر ، ولا بقر الحرث صدقة من أجل أنها سوائم الزرع ، وعوامل الحرث ، وفي كل ثلاثين بقرة تبيع ذكر ، وفي كل أربعين بقرة بقرة
.

قال أبو عمر :

أما قوله في زكاة الذهب ، وبقر الحرث ، والسوائم ، وعوامل الإبل ، فليس ذلك في شيء من الأحاديث المرفوعة إلا في هذا الحديث ، وهو من رأي ابن شهاب محفوظ ، وكثيرا ما كان يدخل في أواخر الأحاديث رأيه ، فيظن السامع أن ذلك في الحديث . وكل ما في هذا الحديث فإجماع من العلماء إلا في زكاة الذهب ، فإن الجمهور على خلاف ابن شهاب في ذلك ، والخلاف فيه على ما نذكره بعد في هذا الباب ، وكذلك الخلاف في موضع واحد من زكاة الغنم وفي زكاة العوامل من الإبل والبقر .

فأما اختلافهم في زكاة الإبل العوامل والبقر العوامل ، فذهب مالك إلى أن الزكاة فيها واجبة كغير العوامل سواء ، وهو قول مكحول ، وقتادة ، ورواية عن الليث رواها ابن وهب عنه ، وقال الثوري ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والحسن بن صالح ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وداود ، [ ص: 142 ] والطبري : ليس في العوامل من الإبل ، والبقر صدقة . وروي ذلك عن علي ، ومعاذ ، وجابر بن عبد الله ، ولا مخالف لهم من الصحابة .

وروى عبد الله بن صالح ، عن الليث مثل ذلك ، وهو قول جماعة التابعين بالحجاز ، والعراق ، وحجة من أوجب الزكاة في العوامل من الإبل ، والبقر ظاهر الأحاديث في الإبل والبقر : في كل ثلاثين بقرة تبيع ، وفي كل أربعين مسنة . لم يخص عاملا عن غير عامل .

وحجة من أسقط عنها الزكاة حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : في كل إبل سائمة من كل أربعين بنت لبون . الحديث . قالوا : والسائمة هي الراعية التي يطلب نماؤها في نسلها ورسلها . قالوا : وفي ذكر السائمة نفي للزكاة ، عن العاملة . وبين أصحاب مالك وبين مخالفيهم في زكاة العوامل من جهة النظر والمقايسات ما رغبت عن ذكره .

قال أبو عمر :

وأما الموضع الذي اختلفوا فيه من زكاة الغنم فهو إذا زادت على ثلاثمائة شاة ، فإن الحسن بن صالح بن حي قال : إذا كانت الغنم ثلاثمائة شاة وشاة ففيها أربع شياه ، وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه ، ثم هكذا كلما زادت في كل مائة شاة .

وروي عن منصور ، عن إبراهيم نحوه ، وقال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وسائر الفقهاء : في مائتي شاة وشاة ثلاث شياه ، ثم لا شيء فيها زائدا إلى أربعمائة ، فتكون فيها أربع شياه ، ثم كلما زادت مائة ففيها شاة اتفاقا ، وإجماعا . والآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تدل على ما قال مالك وسائر الفقهاء دون ما قال الحسن بن حي ; لأن في جميعها في صدقة الغنم : فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ، وهذا يقتضي ما قال [ ص: 143 ] الفقهاء ، وجماعة العلماء دون ما قال الحسن بن حي ، وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر ، وحكى فيها عن العلماء الخطأ ، وغلط ، وأكثر الغلط .

وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب : " وليس فيما دون خمس أواق صدقة " ، فإنه إجماع من أهل العلم أيضا .

وفي هذا القول معنيان : أحدهما نفي الزكاة عما دون خمس أواق . والمعنى الثاني : إيجابها في ذلك المقدار ، وفيما زاد عليه بحسابه ، هذا ما يوجبه ظاهر هذا الحديث لعدم النص عن العفو بعد الخمس الأواقي حتى تبلغ مقدارا ما ، فلما عدم النص في ذلك وجب القول بإيجابها في القليل ، والكثير بدلالة العفو عما دون الخمس الأواقي ، وعلى هذا أكثر العلماء . وسنذكر القائلين به والخلاف فيه في هذا الباب بعد ، إن شاء الله .

والأوقية عندهم أربعون درهما كيلا ، لا خلاف في ذلك ، والأصل في الأوقية ما ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال قال : كانت الدراهم غير معلومة إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فجمعها وجعل كل عشرة من الدراهم وزن سبعة مثاقيل ، قال : وكانت الدراهم يومئذ ( درهم ) من ثمانية دوانق زيف ، ودرهم من أربعة دوانق جيد . قال : فاجتمع رأي علماء ذلك الوقت لعبد الملك على أن جمعوا الأربعة الدوانق إلى الثمانية فصارت اثني عشر دانقا ، فجعلوا الدرهم ستة دوانق ، وسموه كيلا ، واجتمع لهم في ذلك أن في كل مائتي درهم زكاة وأن أربعين درهما أوقية ، وأن في الخمس الأواقي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دونها صدقة - مائتي درهم لا زيادة ، وهي نصاب الصدقة .

[ ص: 144 ] قال أبو عمر :

ما حكاه أبو عبيد يستحيل ; لأن الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن تكون مجهولة المبلغ من الدراهم في الوزن ، ثم يوجب الزكاة عليها وهي لا يعلم مبلغ وزنها ، ووزن الدينار درهمان أمر مجتمع عليه معروف في الآفاق عند جماعة أهل الإسلام ، إلا أن الوزن عندنا بالأندلس مخالف لوزنهم ، فالدرهم الكيل عندهم هو عندنا بالأندلس درهم وأربعة أعشار درهم ; لأن دراهمنا مبنية على دخل أربعين ومائة في مائة كيلا ، هكذا أجمع الأمراء والناس عليها عندنا بالأندلس في جميع نواحيها ، فعلى ما ذكرنا في الدرهم المعهود عندنا أنه درهم ، وخمسان تكون المائتا درهم كيلا مائتي درهم وثمانين درهما . وقيل : إن الدرهم المعهود بالمشرق وهو الدرهم الكيل المذكور هو بوزننا المعهود اليوم بالأندلس درهم ونصف ، وأظن ذلك بمصر وما والاها ، وأما أوزان العراق فعلى ما ذكرت لك ، لم يختلف عليها أن درهمهم درهم وأربعة أعشار درهم بوزننا .

وقد حكى الأثرم ، عن أحمد بن حنبل أنه ذكر اختلاف الدينار ، والدرهم باليمن وناحية عدن ، فقال : قد اصطلح الناس على دراهمنا ، وإن كان بينهم في ذلك اختلاف . قال : وأما الدنانير فليس فيها اختلاف .

فجملة النصاب ومبلغه عندنا اليوم بوزننا ، ودخلنا على حسب ما وصفنا : خمسة وثلاثون دينارا دراهم ، حساب الدينار ثمانية دراهم بدراهمنا التي هي دخل أربعين ومائة في مائة كيلا ، وهذا على حساب الدرهم ، الكيل درهم وأربعة أعشار درهم ، وعلى حساب الدرهم درهم ونصف يكون سبعة وثلاثين دينارا دراهم وأربعة دراهم ، فإذا ملك الحر المسلم وزن المائتي درهم المذكورة من فضة مضروبة أو غير مضروبة ، وهي الخمس الأواقي المنصوصة في الحديث ، حولا كاملا - فقد وجبت عليه صدقتها ، وذلك ربع عشرها : خمسة دراهم للمساكين والفقراء ، ومن ذكر في آية الصدقات ، إلا المؤلفة قلوبهم فإن الله قد أغنى الإسلام [ ص: 145 ] وأهله اليوم عن أن يتألف عليه . وسائر الأصناف المذكورات من وضع زكاته في صنف منهم أجزأه إلا العاملين على الصدقات ، فإنما لهم بقدر عمالتهم . وقد ذكرنا ما للعلماء في قسم الصدقات على الأصناف المذكورين في الآية من التنازع في غير هذا الموضع ، وما ذكرت لك ههنا فهو المعتمد عليه المعمول به .

وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك في كل شيء منه ربع عشره ، قل أو كثر . هذا قول مالك ، والشافعي ، وأكثر أصحاب أبي حنيفة ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي ثور ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وروي ذلك عن علي ، وابن عمر .



وقالت طائفة من أهل العلم : لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما ، فإذا بلغتها كان فيها درهم ، وذلك ربع عشرها . هذا قول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، وطاوس ، والشعبي ، وابن شهاب الزهري ، ومحكول ، وعمرو بن دينار ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة .

وأما زكاة الذهب فأجمع العلماء على أن الذهب إذا كان عشرون دينارا قيمتها مائتا درهم فما زاد ، أن الزكاة فيها واجبة ، إلا رواية جاءت عن الحسن ، وعن الثوري مال إليها بعض أصحاب داود بن علي ، أن الذهب لا زكاة فيه حتى يبلغ أربعين دينارا ، والدينار من الذهب هو المثقال الذي وزنه درهمان عددا بدراهمنا لا كيلا ، وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه ، إلا ما كان من اختلاف الأوزان بين أهل البلدان .

وقد روي عن جابر بن عبد الله بإسناد لا يصح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الدينار أربعة وعشرون قيراطا ، وهذا الحديث وإن لم يصح إسناده ففي قول جماعة العلماء به وإجماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه ، والقيراط [ ص: 146 ] وزنه ثلاث حبات من حبوب الشعير الممتلئة غير الخارجة عن المعهود من مقادير الحبوب ، وذلك اثنتان وسبعون حبة وزن جميعها درهمان بدراهمنا اليوم ، والحمد لله .

وأجمعوا على أن لا زكاة فيما دون عشرين مثقالا إذا لم تبلغ قيمتها مائتي درهم ، واختلفوا في العشرين دينارا إذا لم تبلغ قيمتها مائتي درهم وفيما يساوي من الذهب مائتي درهم ، وإن لم يكن وزنه عشرين دينارا ، فالذي عليه جمهور أهل العلم أن الذهب تجب فيه الزكاة على من ملكه حولا ، إذا كان وزنه عشرين دينارا ، يجب فيه ربع عشره ، وسواء ساوى مائتي درهم كيلا أم لم يساو ، وما زاد على العشرين مثقالا فبحساب ذلك في القليل والكثير ، وما نقص من عشرين دينارا فلا زكاة فيه ، سواء كانت قيمته مائتي درهم أو أكثر ، والمراعاة فيه وزنه في نفسه من غير قيمة . هذا مذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والليث بن سعد ، والثوري في أكثر الروايات عنه ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وهو قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجماعة من التابعين بالعراق ، والحجاز ، منهم عروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن سيرين ، والنخعي ، والحكم ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، إلا أن أبا حنيفة قال : لا شيء فيما زاد على العشرين مثقالا حتى يبلغ أربعة مثاقيل ، وهو قول الأوزاعي .

وقال آخرون : ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها ربع العشر ، وإن كان وزنها أقل من عشرين دينارا ، ولو كانت عشرين دينارا ، أو أزيد ولم يبلغ صرفها مائتي درهم لم تجب فيها زكاة حتى تبلغ أربعين دينارا ، فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار ، ولا يراعى فيها الصرف والقيمة إذا بلغت أربعين دينارا . هذا قول الزهري ، وقد رواه يونس عنه في الحديث المذكور عن سالم ، وعبد الله ابني عبد الله بن عمر في ذلك الكتاب . والصحيح عندي - والله أعلم - أنه من رأي ابن شهاب ، كذلك ذكره عنه معمر ، وغيره ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، وبه قال أيوب السختياني وسليمان بن حرب .

[ ص: 147 ] وقالت طائفة : ليس في الذهب شيء حتى تبلغ أربعين دينارا ، فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها ربع عشرها دينار ، ثم ما زاد فبحساب ذلك . هذا قول الحسن ، ورواية عن الثوري ، وبه قال أكثر أصحاب داود بن علي ، ولا خلاف بين علماء المسلمين أن في كل أربعين دينارا من الذهب دينارا يجب إخراجه زكاة على مالكها حولا كاملا ، تاجرا كان أو غير تاجر ، ما لم يكن حليا متخذا للبس النساء ، فإن كان حليا من ذهب أو فضة قد اتخذ للبس النساء ، أو كان خاتم فضة لرجل ، أو حلية سيف ، أو مصحف من فضة لرجل ، أو ما أبيح له اتخاذه من غير الآنية - فإن العلماء اختلفوا في وجوب الزكاة فيه ، فذهب مالك وأصحابه إلى أن لا زكاة فيه ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وهو قول الشافعي بالعراق ، ووقف فيه بعد ذلك بمصر ، وقال : أستخير الله فيه .

وروي عن ابن عمر ، وعائشة ، وأسماء ، وجابر - رضي الله عنهم - أن لا زكاة في الحلي ، وعن جماعة من التابعين بالمدينة ، والبصرة مثل ذلك ، وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والأوزاعي : في ذلك كله الزكاة .

وروي ذلك عن عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وهو قول جماعة : ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وروي عنه عليه السلام بإسناد لا يحتج بمثله .

وقال الليث : ما كان منه يلبس ، ويعار فلا زكاة فيه ، وما صنع ليفر به من الصدقة ففيه الصدقة . وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ففيه معنيان : أحدهما نفي وجوب الزكاة عما كان دون هذا المقدار ، كما أن قوله : ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، قد نفى وجوب الزكاة فيما دون ذلك ، والمعنى الآخر : وجوب الزكاة في هذا المقدار فما فوقه . والوسق ستون صاعا [ ص: 148 ] بإجماع من العلماء بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والصاع أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم ، ومده زنته رطل وثلث وزيادة شيء ، هذا قول عامة العلماء بالحجاز والعراق ، فهي ألف مد ، ومائتا مد ، وهي بالكيل القرطبي عندنا بالأندلس خمسة وعشرون قفيزا على حساب كل قفيز ثمانية وأربعون مدا ، وإن كان القفيز اثنين وأربعين مدا كما زعم جماعة من الشيوخ عندنا ، فهي ثمانية وعشرون قفيزا ونصف قفيز ، أو أربعة أسباع قفيز ووزن جميعها ثلاثة وخمسون ربعا وثلث ربع ، كل ربع منها من ثلاثين رطلا ، فهذا هو المقدار الذي لا تجب الزكاة فيما دونه ، وتجب فيه وفيما فوقه كيلا ; لأن الحديث إنما نبه على الكيل ، وهذا إجماع من العلماء أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق إلا أبا حنيفة ، وزفر ، ورواية عن بعض التابعين ، فإنهم قالوا : الزكاة في كل ما أخرجته الأرض قليل ذلك وكثيره إلا الطرفاء ، والقصب الفارسي ، والحشيش ، والحطب .

وخالفه أصحابه فصاروا إلى ما عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين بالحجاز ، والعراق ، والشام ، ومصر في اعتبار الخمسة الأوسق المذكورة في هذا الحديث ، وأجمع العلماء كلهم من السلف ، والخلف على أن الزكاة واجبة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا فيما سوى ذلك من الحبوب ، فقال مالك : الحبوب التي تجب فيها الزكاة : الحنطة ، والشعير ، والسلت ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والحمص ، والعدس ، والجلبان ، واللوبيا ، وما أشبه ذلك من الحبوب ، والقطاني كلها ، قال : وفي الزيتون الزكاة .

وقال الشافعي : كل ما يزرعه الآدميون وييبس ، ويدخر ، ويقتات مأكولا خبزا وسويقا ، وطحينا ، وطبيخا ففيه الصدقة قال : والقطاني كلها [ ص: 149 ] فيها الصدقة ، قال : وليس في الأبزار ، والقت ، والقثاء ، ولا حبوب البقل ، ولا الشونيز صدقة ، قال : ولا يؤخذ في شيء من ثمر الشجر صدقة إلا في النخل ، والعنب .

واختلف قوله في الزيتون ، وآخر ما رجع إليه أن لا زكاة فيه ; لأنه إدام . وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : لا شيء فيما تخرجه الأرض إلا ما كان له ثمرة باقية تبلغ مكيلتها خمسة أوسق ، ولا تجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق ، وقال الثوري ، وابن أبي ليلى : ليس في شيء من الزرع والثمار زكاة إلا التمر ، والزبيب ، والبر والشعير ، وهو قول الحسن بن حي .

وقول الطبري في هذا الباب كله كقول الشافعي ، ولا زكاة عنده في الزيتون ، وقال أبو ثور : الزكاة في الحنطة ، والشعير ، والأرز ، والحمص ، والعدس ، وجميع الحبوب مما يدخر ويؤكل ، قال : وفي السلت والدخن ، واللوبيا ، والقرطم ، وما أشبه ذلك الزكاة .

وقال عطاء : الصدقة في النخل ، والعنب ، والحبوب كلها ، وهو قول أحمد ، وروي عن أحمد أيضا إن كان كل شيء يدخر ، ويبقى ففيه الزكاة .

وقال إسحاق : كل ما وقع عليه اسم الحب وهو مما يبقى في أيدي الناس ويصير في بعض الأزمنة عند الضرورة طعاما لقوم ، فهو حب يؤخذ منه العشر .

واختلفوا في ضم هذه الحبوب بعضها إلى بعض ، فمذهب مالك أن البر ، والشعير ، والسلت صنف واحد ، يضم بعض ذلك إلى بعض في الزكاة ، ولا يجوز فيها التفاضل . قال : وتضم القطاني كلها بعضها إلى بعض في الزكاة ، وهي عنده أصناف مختلفة في البيوع يجوز فيها التفاضل دون النساء ، والقطاني عنده : الفول ، والحمص ، واللوبيا ، والجلبان ، والعدس . قال وما يعرفه الناس من القطاني .

فإذا بلغ جميع [ ص: 150 ] ذلك خمسة أوسق أخذ من كل واحد بحصته ، والدخن عنده صنف على حدة ، وكذلك الذرة صنف ، والأرز صنف ، ولا يضم شيء منها إلى صاحبه في الزكاة .

وقال الشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا يضم شعير إلى حنطة ، ولا يضم جنس ولا نوع إلى غيره إذا خالفه في الاسم واللون ، ولا يضم من القطاني كلها وغيرها شيء إلى غيره ، ويعتبر من كل واحد خمسة أوسق .

وذكر ابن وهب ، عن الليث قال : السلت ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والقمح ، والشعير صنف واحد يضم بعضه إلى بعض وتؤخذ منه الزكاة ، ولا يباع صنف منه بالآخر إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، والقطاني كلها عنده صنف واحد في الزكاة ، ومختلفة الأجناس في البيع .

وعن الحسن ، والزهري في ضم الأصناف بعضها إلى بعض في هذا الباب نحو قول مالك .

وعن عطاء ، ومحكول ، والحسن بن صالح ، وشريك في ذلك مثل قول الشافعي ، وبه قال أبو عبيد ، وأحمد ، وأبو ثور : وأجمعوا أنه لا يضاف التمر إلى الزبيب ، ولا إلى البر ، ولا البر إلى الزبيب ، ولا الإبل إلى البقر ، ولا البقر إلى الغنم ، والغنم : الضأن والمعز ، يضاف بعضها إلى بعض بإجماع ، واختلفوا في ضم الذهب والورق بعضها إلى بعض في الزكاة ، فقال مالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري : يضم أحدهما إلى الآخر فيكمل به النصاب ، إلا أن أبا حنيفة قال : يضم بالقيمة ، وكذلك قال الثوري إلا أنه قال : يضم القليل إلى الكثير بقيمة الأكثر . وتفسير ضمهما بالقيمة أن يقوم أحدهما بالآخر ، فإن بلغت قيمته ما تجب فيه الزكاة من ذلك الصنف ، جعلهما كأنهما صنف واحد وزكاهما زكاة ذلك الصنف .

[ ص: 151 ] قال أبو حنيفة : فإن كانت قيمة كل واحد من الصنفين تبلغ مع الصنف الآخر المقدار الذي تجب فيه الزكاة منه ، نظر ما فيه الحظ للمساكين ، فجعل الصنفين كأنهما من ذلك الصنف ( وجعل فيهما جميعا زكاة ذلك الصنف ) ، وإن كان في التقويم بأحدهما دون الآخر زكاة قوم بالذي يجب بالتقويم فيه الزكاة . وقد روي عن الثوري مثل هذا أيضا ، وقال أبو يوسف ، ومحمد ، ومالك ، والأوزاعي : تضم بالأجزاء ، ويحسب الدينار بعشرة دراهم على ما كانت في الزمان الأول ، فمن كانت له عشرة دنانير ومائة درهم وجبت عليه الزكاة ، وأخرج من كل واحد بحسابه منه ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، ومن تفسير الضم بالأجزاء أن تكون عنده من كل واحد من الصنفين - الذهب والورق - نصف كل نصف منهما ، أو يكون عنده ثلث أحدهما ، ومن الآخر ثلثاه على هذا المعنى ، فإن كانت الأجزاء على هذا متكاملة فلا زكاة ، فإن تكاملت بأقل الأجزاء مثل أن تكون عنده تسعون ومائة درهم ودينار ، أو تسعة عشر دينارا ، وعشرة دراهم ، وجبت فيهما جميعا الزكاة .

وقال ابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وشريك ، والشافعي ، وأصحابه ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، والطبري وداود بن علي : لا يضم شيء منهما إلى صاحبه ، ويعتبرون تمام النصاب في كل واحد منهما .

وهو قول صحيح في النظر ، ومعنى الأثر ، وبالله التوفيق .

قال أبو عمر :

أما التمر فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نقل الآحاد الثقات أنه قال : ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة من رواية مالك ، عن محمد بن عبد الله [ ص: 152 ] بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، وقد ذكرناه في باب محمد من هذا الكتاب ، وذكرنا هناك من روى مثل روايته وما الصحيح من ذلك ، وذكرنا في هذا الباب من حديث إسماعيل بن أمية ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن يحيى بن عمارة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس فيما دون خمسة أوساق من حب ، وتمر صدقة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بخرص التمر للزكاة . وقد ذكرنا طرق حديثه بذلك في باب شهاب من هذا الكتاب .

وأما البر فقد ذكرنا في الباب من رواية روح بن القاسم ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يجب - أو يحل - في البر ، والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق ، وذكرنا حديث جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا صدقة في شيء من الزرع ، أو النخل ، أو الكرم حتى يكون خمسة أوسق .

وروى عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عتاب بن أسيد قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص العنب ، وآخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة التمر تمرا فهذا ما في الأحاديث من ذكر الحبوب ، والتمر ، والزبيب .

وحديث إسماعيل بن أمية يجمع كل حب ، وقد أجمع العلماء على أخذ الزكاة من البر ، والشعير ، والتمر ، والزبيب كما ذكرنا ، واختلفوا فيما سوى ذلك على ماوصفنا ، وبالله توفيقنا .

وأما اختلافهم في زكاة الزيتون ، فقال الزهري ، ومالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وأبو ثور : فيه الزكاة . قال الزهري ، والأوزاعي : يخرص زيتونا ، ويؤخذ زيتا صافيا .

[ ص: 153 ] وقال مالك : لا يخرص ولكن يؤخذ العشر بعد أن يعصر ، ويبلغ كيل الزيتون خمسة أوسق .

وقال أبو حنيفة ، والثوري ، ( وأبو ثور : ) تؤخذ الزكاة من حبه .

وكان ابن عباس يوجب في الزيتون الزكاة .

وروي عن عمر ، ولا يصح عنه فيه شيء ، وكان الشافعي يقول بالعراق : في الزيتون الزكاة ، ثم قال بمصر : لا أعلم أن الزكاة تجب في الزيتون .

أخبرني قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : سمعت سعيد بن عثمان يقول : سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : اجتمع على هذه المسألة ثلاثة ، أنا أخالفهم : مالك ، وابن القاسم ، وأشهب يقولون : إن في الزيت الزكاة ما اجتمع الناس على حبه فكيف على زيته .

قال أبو عمر :

قد احتج الشافعي في إيجاب الزكاة بقول الله عز وجل ( والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) ، ونزع مالك بهذه الآية كما صنع الشافعي ، فدل على أن الآية عندهم منسوخة ، واتفقا جميعا على أن لا زكاة في الرمان ، ثم اضطرب الشافعي في الزيتون ، وكان يلزمهما إيجاب الزكاة في الزيتون ، والرمان بهذه الآية ، فإن كان الرمان خرج باتفاق فقد أبان بذلك أن الآية ليست على عمومها [ ص: 154 ] وأنها موقوفة على ما أخذ منه من الأموال وما عفي عنه ، فكان الضمير على هذا التأويل عائدا على النخل ، والزرع ، وقد ذكرنا ما أجمعوا عليه من ذلك وما اختلفوا فيه .

وأما الزيتون فواجب فيه الزكاة بهذه الآية ، وجمهور العلماء على أن هذه الآية محكمة .

وروي عن ابن عباس أنه قال في تأويل قول الله عز وجل ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : العشر ونصف العشر ، وقال مرة أخرى : حقه الزكاة المفروضة يوم يكال أو يعلم كيله .

وروي عن أنس في قوله ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : الزكاة . وبهذا قال جابر بن زيد أبو الشعثاء ، وسعيد بن المسيب ، وطاوس ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، وأبو صالح ، وعكرمة ، وقال مجاهد : حقه أن يلقي لهم من السنبل إذا حصد زرعه ، ويلقي لهم من الشماريخ إذا جد نخله ، فإذا كاله زكاه ، وهو قول عطاء ، وسعيد بن جبير : أوجبوا عند الصرام ، والحصاد شيئا سوى الزكاة ، ثم الزكاة .

وروي عن ابن عمر نحوه ، قال : يعطون من اعتربهم الشيء ، وقال الربيع بن أنس : هو إلقاء السنبل ، ونحوه عن علي بن الحسين . وهذا كله في معنى قول مجاهد .

وقالت طائفة : هذه الآية منسوخة ، نزلت قبل نزول الزكاة ; لأن السورة مكية ، قالوا : لم تنزل آية الزكاة إلا بالمدينة قوله : ( خذ من أموالهم صدقة ) الآية ، وقوله : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ونحو هذا .

[ ص: 155 ] وممن قال : إن الآية منسوخة بالزكاة - العشر أو نصف العشر - محمد بن الحنفية ، ومحمد بن علي بن الحسين ، وإبراهيم النخعي ، والسدي ، وعطية العوفي .

وأما الخضر ، والفواكه ، فجمهور أهل العلم على أن لا زكاة فيها ، وسنذكر ذلك في باب الثقة عند مالك ، عن سليمان بن يسار وبسر بن سعيد من هذا الكتاب عند ذكر قوله صلى الله عليه وسلم : فيما سقت السماء ، والعيون ، والبعل العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر ، ونبين المعنى في ذلك هنالك إن شاء الله .

قال أبو عمر :

أما زكاة الزرع ، والثمار ، والحبوب فيجب أداؤها في حين الحصاد والجداد بعد الدرس ، والذر ، ويعتبر وجوب ذلك فيمن مات عن زرعه ، أو باعه ، أو عن نخله - بالإزهاء ، وبدو الصلاح في التمر ، وبالاستحصاد ، واليبس ، والاستغناء عن الماء في الزرع . وهذا إجماع من العلماء لا خلاف فيه إلا شذوذ .

وأما زكاة الإبل ، والبقر ، والغنم فتجب أيضا بتمام استكمال الحول والنصاب ، وعلى هذا جماعة العلماء إلا ما روي عن مالك أنه قال : إنما تجب بمرور الساعي مع تمام الحول ، وهذا معناه عند أهل الفهم أن الساعي كان لا يخرج إلا بعد تمام مرور الحول ، فكان علامة لاستكمال الحول .

وأما الذهب والورق فلا تجب الزكاة في شيء منها إلا بعد تمام الحول أيضا ، وعلى هذا جمهور العلماء ، والخلاف فيه شذوذ لا أعلمه إلا شيئا روي عن ابن عباس ، ومعاوية أنهما قالا : من ملك النصاب من الذهب والورق وجبت عليه الزكاة ( في الوقت ) ، وهذا قول لم يعرج عليه أحد من العلماء ، ولا قال به أحد من أئمة الفتوى إلا رواية ، عن الأوزاعي فيمن باع عبده أو داره أنه يزكي الثمن [ ص: 156 ] حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر معلوم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله ، والذي عليه جمهور العلماء مراعاة الحول والنصاب إلا أن اختلافهم في ضم الفوائد بعضها إلى بعض في الحول اختلاف يطول ذكره وتتشعب فروعه ، ولا يليق بنا في كتابنا هذا اجتلابه .

وحدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا أحمد بن دحيم قال : حدثنا أبو عروبة الحراني قال : حدثنا عمران بن بكار قال : حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ورواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر موقوفا - والناس عليه - والحمد لله .

ذكر الأثرم قال : حدثنا أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل قال : حدثنا أبو يزيد خالد بن حبان الخراز ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في الرجل يستفيد المال قال : يزكيه حين يستفيد . قال : وقال ابن عمر : ليس عليه زكاة حتى يحول عليه الحول . قال ميمون : ما اختلف ابن عمر ، وابن عباس في شيء إلا أخذ ابن عمر بأوثقهما إلا في هذا . قال أبو عبد الله : هذا حديث غريب ، وخالد بن حبان لم يكن به بأس ، وذكر أبو عبد الله ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة قال : كان عبد الله يعطينا العطاء ويزكيه . وليس هذا مذهب أبي عبد الله ، وقال : كان أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي يسألون : هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة ؟ وإلى هذا يذهب أبو عبد الله ، ليس عنده في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ، لا عطية ولا غيرها . قال الأثرم : حدثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليا رضي الله عنه قال : ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول . وصلى الله على محمد .




الخدمات العلمية