الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1685 حديث ثالث لعطاء الخراساني مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : تصافحوا يذهب الغل ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ،

التالي السابق


وهذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها :

[ ص: 13 ] حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء المقدسي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن حماد ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا سليمان بن حيان ، حدثنا الأجلح ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان ، إلا غفر لهما قبل أن يفترقا .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، وابن نمير ، عن الأجلح ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فذكره حرفا بحرف .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الذيبلي ، قال : حدثنا عامر بن محمد بن عبد الرحمن القرمطي ، قال : حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا عمر بن حمزة ، حدثنا المنذر بن ثعلبة ، عن أبي العلاء بن الشخير ، عن البراء بن عازب ، قال : لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي ، فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم ، فقال : نحن أحق بالمصافحة منهم ، ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة ، إلا ألقيت ذنوبهما بينهما .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى بن سليم البصري .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أبو قلابة ، حدثنا عمر بن عامر أبو حفص ، قالا حدثنا عبيد الله بن الحسن القاضي بالبصرة ، قال : حدثنا [ ص: 14 ] سعيد الجريري ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : إسماعيل بن عيسى ، عن عمر بن الخطاب ، وقال عمر بن عامر : سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا التقى المسلمان فتصافحا ، أنزل الله عليهما مائة رحمة ، تسعون منها للذي بدأ بالمصافحة ، وعشر للذي صوفح ، وكان أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا بصاحبه .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي ، حدثنا عامر بن محمد ، حدثنا أبو صالح حمزة بن مالك الأسلمي ، حدثنا سفيان بن حمزة ، عن كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، والوليد بن رباح ، أن معاذ بن جبل قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يا معاذ إذا التقى الأخوان في الإسلام ، فأخذ أحدهما بيد أخيه تحاتت خطاياهما بينهما كتحات ورق الشجر عنها .

قال : أبو عمر :

حديث معاذ هذا إسناده ليس بالقوي .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بلج ، عن زيد أبي الحكم العنبري ، عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه ، غفر لهما .

[ ص: 15 ] حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن فطر الفروجردي ، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج ، حدثنا أحمد بن الحسن بن خداش ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبو هاشم ، أخبرنا منصور ، عن رفيع بن لوط ، عن البراء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المسلم إذا أخذ بيد صاحبه فصافحه وهو صادق ، لم يبق بينهما ذنب إلا سقط .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا وهب بن مسرة ، وقاسم بن أصبغ ، قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حنظلة بن عبد الله السدوسي ، عن أنس بن مالك ، قال : قلنا : يا رسول الله ، أينحني بعضنا لبعض إذا التقينا ؟ قال : لا ، فقلنا : فيعانق بعضنا بعضا ؟ قال : لا ، قلنا : فيصافح بعضنا بعضا ؟ قال : نعم .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : لما جاء أهل اليمن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : قد جاءكم أهل اليمن ، وهم أول من جاء بالمصافحة ورواه ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب ، عن حميد الطويل ، عن أنس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يقدم عليكم قوم أرق منكم قلوبا ، فقدم علينا الأشعريون - فيهم أبو موسى ، فكانوا أول من أظهر المصافحة في الإسلام .

[ ص: 16 ] حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب ، قال : حدثنا الأوزاعي ، حدثنا عطاء ، قال : رأيت ابن عباس يصلي في الحجر ، فجاءه رجل ، فقام إلى جنبه ، ثم مد الرجل يده ، فالتفت ابن عباس ، فبسط يده يصافحه ، فرأيته يغمز يده - وهو في الصلاة - فعرفت أن ذلك من مودته إياه ، ثم مضى في صلاته .

أخبرنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن شعيب المعمري ، قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا أبو هلال الراسي ، قال : حدثنا حنظلة ، عن أنس بن مالك ، قال المعمري : وحدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن حنظلة بن عبيد الله السدوسي ، قال : سمعت أنس بن مالك أنهم قالوا : يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض إذا التقينا ؟ قال : لا ، قال : فيلتزم بعضنا بعضا ؟ قال : لا ، ولكن تصافحوا .

وقال حماد في حديثه قالوا : فيصافح بعضنا بعضا ؟ قال : تصافحوا .

وذكره سنيد قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن حنظلة السدوسي ، عن أنس ، قال : قيل : يا رسول الله ، أينحني بعضنا لبعض إذا لقي الرجل أخاه ؟ قال : لا ، قيل : أفيلتزمه ويقبله ، قال : لا ، قيل : أفيصافحه ويأخذ بيده ؟ قال : نعم .

وذكر سنيد قال : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه وعلقمة أنهما قالا : من تمام التحية المصافحة .

قال : وحدثنا حماد بن زيد ، عن هشام ، عن الحسن - أنه سئل عن المصافحة ، فقال : تزيد في المودة .

وقد روي في الالتزام ، حديث أبي ذر بإسناد ليس بالقوي ، قال : أبو ذر : ما لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا صافحني ، وأتيته يوما - وهو على سرير له - فالتزمني ، فكانت أجود وأجود .

[ ص: 17 ] قال : أبو عمر روى ابن وهب وغيره عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة ، وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا ، وقد روي عن مالك خلاف هذا من جواز المصافحة ، وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ ، وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف ، وفيه آثار حسان ، قد ذكرنا كثيرا منها في مواضع من هذا الكتاب - والحمد لله .

وأما الهدية فقوله - صلى الله عليه وسلم : تهادوا تحابوا ، يتصل من حديث أبي هريرة من رواية أهل مصر . حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا محمد بن بكير الحضرمي ، قال : حدثنا ضمام بن إسماعيل ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهادوا تحابوا .

وحدثنا عبد الرحمن ، حدثنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تهادوا بينكم ، فإن الهدية تذهب السخيمة .

قال ابن وهب : سألت يونس عن السخيمة ما هي ؟ فقال الغل .

[ ص: 18 ] قال أبو عمر :

هذا الحديث وصله عثمان الوضاحي ، عن الزهري ، حدث به ابن صاعد ، قال : حدثنا زياد بن يحيى أبو الخطاب ، حدثنا أبو عتاب الدلال ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن ، حدثني الزهري ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نعم العون الهدية على طلب الحاجة وبإسناده قال النبي - صلى الله عليه وسلم : تهادوا فإن الهدية تذهب السخيمة ، قيل : وما السخيمة ؟ قال : الجنة تكون في الصدر .

أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا علي بن محمد بن أحمد المصري ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن بحير ، حدثنا أبي ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن معاوية بن الحكم ، أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تهادوا ، فإنه يضاعف الود ، ويذهب بغوائل الصدر .

قال أبو الحسن : تفرد به ابن بحير ، عن أبيه ، عن مالك - ولم يكن بالرضي - ولا يصح عن مالك ولا عن الزهري .

وحدثنا أحمد بن فتح ، قال : حدثنا حمزة بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة البغدادي ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا يحيى بن بكير ، عن ضمام بن إسماعيل المعافري ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : تهادوا تحابوا .

قال أبو عمر : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يقبل الهدية ، وندب أمته إليها ، وفيه الأسوة الحسنة به - صلى الله عليه وسلم - ومن فضل الهدية مع اتباع السنة - أنها تورث المودة ، وتذهب العداوة - على ما جاء في حديث مالك وغيره - مما في معناه : حدثنا [ ص: 19 ] عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي ، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا أبو معشر ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تهادوا ، فإن الهدية تذهب وحر الصدور ، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة .

ولقد أحسن القائل :


هدايا الناس بعضهم لبعض تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في الضمير هوى وودا
وتكسوهم إذا حضروا جمالا

وقال غيره :


إن الهدايا لها حفظ إذا وردت أحظى من الإبن عند الوالد الحدب

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن الخصيب القاضي بمصر ، حدثنا يوسف بن يعقوب ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا فضيل بن سليمان ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المعروف كله صدقة .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل معروف صدقة - من حديث جابر ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وغيرهم .

[ ص: 20 ] وفي حديث ابن مسعود وابن عمر : كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي ، قال : حدثنا أبو يونس المديني ، حدثني هارون بن يحيى الحاطبي ، حدثني عثمان بن عثمان بن خالد بن الزبير ، عن أبيه ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إنما تكون الصنيعة إلى ذي دين أو ذي حسب ، وجهاد الضعيف الحج ، وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها ، والتودد نصف الدين ، وما عال امرؤ على اقتصاد ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، أبى الله أن يرزق عباده المؤمنين إلا من حيث لا يحتسبون .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الحلبي ببيت المقدس ، حدثنا أحمد بن داود الحراني ، حدثنا أبو مصعب ، حدثنا مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : اجتمع علي بن أبي طالب ، وأبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، فتماروا في أشياء ، فقال لهم علي بن أبي طالب : انطلقوا بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسأله ، فلما وقفوا على النبي - عليه السلام - قالوا : يا رسول الله ، جئنا نسألك ، قال : إن شئتم سألتموني ، وإن شئتم أخبرتكم بما جئتم له ، قالوا : أخبرنا يا رسول الله ، قال : جئتم تسألوني عن الصنيعة لمن تكون ؟ ولا ينبغي أن تكون الصنيعة إلا لذي حسب أو دين ، وجئتم تسألوني عن الرزق يجلبه الله على العبد ، الله يجلبه عليه فاستنزلوه [ ص: 21 ] بالصدقة ، وجئتم تسألوني عن جهاد الضعيف ، وجهاد الضعيف الحج والعمرة ، وجئتم تسألوني عن جهاد المرأة ، وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها ، وجئتم تسألوني عن الرزق من أين يأتي ؟ وكيف يأتي ؟ ( أبى ) الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب .

قال : أبو عمر :

هذا حديث غريب من حديث مالك ، وهو حديث حسن ، ولكنه منكر - عندهم - عن مالك ولا يصح عنه ، ولا له أصل في حديثه - آخر باب العين - والحمد لله رب العالمين .




الخدمات العلمية