الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1779 حديث سابع لأبي حازم مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن أبي إدريس الخولاني ، أنه قال : دخلت مسجد دمشق ، فإذا فتى شاب براق الثنايا ، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه ، وصدروا عن قوله ، فسألت عنه ، فقيل : هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ، ووجدته يصلي ، قال : فانتظرته حتى قضى صلاته ، ثم جئت من قبل وجهه ، فسلمت عليه ، ثم قلت له : والله إني لأحبك في الله ، فقال : آلله ، قال : آلله ، فقلت : آلله ، فقال : الله ، فقلت : آلله ، قال : فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه ، وقال : أبشر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تبارك وتعالى : [ ص: 125 ] وجبت محبتي للمتحابين في ، وللمتجالسين في ، والمتباذلين في ، والمتزاورين في .

التالي السابق


قد مضى القول والآثار في المتحابين في الله في باب أبي طوالة والحمد لله .

وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل ، وسماعه منه ، وهو إسناد صحيح ، ولكن لقاء أبي إدريس هذا لمعاذ بن جبل مختلف فيه ، فطائفة تنفيه ، وطائفة لا تنكره ، من أجل هذا الحديث وغيره ، ومن نفاه احتج بما رواه معمر ، وابن عيينة ، عن الزهري ، قال : سمعت أبا إدريس الخولاني ، يقول : أدركت عبادة بن الصامت وفلانا وفلانا ، وفاتني معاذ بن جبل فحدثني أصحاب معاذ عن معاذ ، وذكر الحديث .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، قال : أدركت عبادة بن الصامت ، ووعيت عنه ، وأدركت أبا الدرداء ، ووعيت عنه ، وأدركت شداد بن أوس ، ووعيت عنه ، وفاتني معاذ بن جبل .

ولهذا الخبر عن الزهري زعم قوم أن هذا الحديث خطأ ، فقال قوم : وهم فيه مالك ، وأسقط من إسناده أبا مسلم الخولاني ، وزعموا أن أبا إدريس رواه ، عن أبي مسلم ، عن معاذ .

وقال آخرون : وهم فيه أبو حازم ، وغلط في قوله : عن أبي إدريس الخولاني أنه لقي معاذ بن جبل .

[ ص: 126 ] قال أبو عمر :

هذا كله تخرص وتظنن لا يغني من الحق شيئا ، وقد رواه غير مالك جماعة عن أبي حازم ، كما رواه مالك سواء .

وروي أيضا ، عن أبي إدريس من وجوه طريق أبي حازم ، أنه لقي معاذ بن جبل ، وسمع منه ، فلا شيء في هذا على مالك ، ولا على أبي حازم عند أهل العلم بالحديث والاتساع في علمه ، وإذا صح عن أبي إدريس أنه لقي معاذ بن جبل ، فيحتمل ما حكاه ابن شهاب عنه من قوله : فاتني معاذ ، يريد فوت لزوم وطول مجالسة ، أو فاتني في حديث كذا ، أو معنى كذا ، والله أعلم . وعلى هذا يتسق تخريج الأخبار عنه في هذا الباب ، والله أعلم .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، وأحمد بن فتح ، قالا : حدثنا حمزة بن محمد ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال أخبرنا مالك ، قال : حدثنا أبو حازم ، عن أبي إدريس الخولاني ، فذكر هذا الحديث حرفا بحرف ، كما ذكرناه من الموطأ ، إلا أنه لم يقل : شاب ، وإنما قال : فتى براق الثنايا ، ثم ساق الحديث إلى آخره ، وقال : فأخذ بحبوتي ، ولم يقل : بحبوة ردائي .

قال ابن أبى مريم : وأخبرني ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن أبي إدريس بنحوه ، فهذا ابن أبي حازم قد رواه عن أبي حازم ، كما رواه مالك ، وحسبك برؤية مالك مع حفظه وإتقانه وثقته .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال : أخبرنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن أبي إدريس ، قال : كنت في حلقة فيها عشرون [ ص: 127 ] من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم رجل أدعج العينين ، أغر الثنايا ، حدث السن ، فإذا اختلفوا في شيء ، فقال : قولا انتهوا إلى قوله ، فإذا به معاذ بن جبل .

ففي هذا الحديث لقاء أبي إدريس لمعاذ بن جبل ، وسماعه منه رواية أبي حازم ، وهذا أيضا إسناد صحيح ثابت .

ووجدت في أصل سماع أبي - رحمه الله - بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال ، حدثهم ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، قال : حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، قال : حدثني عائذ الله بن عبد الله ، أنه سمع معاذ بن جبل يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الذين يتحابون لجلال الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله . وعائذ الله هذا هو أبو إدريس الخولاني ، لا خلاف بين أحد من العلماء بهذا الشأن في ذلك .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : أخبرنا ضمرة ، عن ابن عطاء ، عن أبيه ، عن أبي إدريس الخولاني ، قال : دخلت مسجد حمص ، فإذا فيه ثلاثون رجلا ، أو نحو ذلك في حلقة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيهم رجل وضيء الوجه أكحل العينين براق الثنايا ، وإذا هم يسندون حديثهم إليه ، فإذا هو معاذ بن جبل . فهذا عطاء الخراساني ، وشهر بن حوشب ، والوليد بن عبد الرحمن الحرشي يقولون عن أبي إدريس الخولاني ما قال أبو حازم عنه من لقائه معاذ بن جبل ، وسماعه منه ، وغير نكير لقاء أبي إدريس لمعاذ ; لأن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين ، وولي قضاء دمشق والشام بعد فضالة بن عبيد ، لم يكن بينهما واسطة ، وفضالة من الصحابة ولي [ ص: 128 ] القضاء بعد أبي الدرداء ، واسم أبي إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله ، لا يختلفون في ذلك ، وقد ذكرناه في هذا الكتاب في باب ابن شهاب لروايته عنه حديث الاستجمار بالأحجار ، وحديث النهي عن أكل ذي الناب من السباع .

ذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، قال : حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : إسماعيل بن عياش ، عن الوليد بن أبي السائب ، عن مكحول ، أنه كان إذا ذكر أبا إدريس الخولاني ، قال : ما رأيت مثله ، وكان مولده يوم حنين ، وسئل الوليد بن مسلم هل لقي أبو إدريس الخولاني معاذ بن جبل ؟ فقال : نظن أن أبا إدريس الخولاني لقي معاذا ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وهو ابن عشر سنين ، ثم قال : قال سعيد بن عبد العزيز : ولد أبو إدريس الخولاني أيام غزوة حنين ، قال الوليد : ولقي أبو إدريس أبا ثعلبة ، وأبا الدرداء ، وشداد بن أوس ، وعبادة بن الصامت ، وغيرهم .

أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : سمعت يحيى بن معين ، يقول : بلغني أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين ، وأما معاذ بن جبل ، فتوفي في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة في خلافة عمر ، وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ، لا يختلفون في ذلك ، وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة ، ونسبناه ، وذكرنا أشياء من أخباره هناك ، والحمد لله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل العبدي ، حدثنا ابن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب ، قال : كان معاذ بن جبل شابا حليما من أفضل شباب قومه .

[ ص: 129 ] وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : وحدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، قال : كان معاذ بن جبل رجلا سمحا شابا جميلا من أفضل شباب قومه .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال وأخبرنا المدائني ، قال : معاذ بن جبل أبو عبد الرحمن كان أجمل الرجال ، لم يولد له قط ، طوال ، حسن الشعر ، عظيم العينين ، أبيض ، جعد ، قطط . وقد روي هذا الحديث ، عن معاذ بن جبل من طرق شتى من غير رواية أبي إدريس بمعنى حديث أبي إدريس ومختصر المعنى أيضا .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، قال : أخبرني عبد الله بن أبي سليمان ، عن أبي بحرية ، قال : قدمت المسجد ، فإذا أنا بنفر جلوس في المسجد شيوخ ، فيهم شاب يحدثهم ، قد أنصتوا له ، فقلت : ألا تسألون من هؤلاء ؟ قالوا : هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : من الرجل الشاب الذي يحدثهم ؟ قالوا : هذا معاذ بن جبل ، قال : فرحت إلى الصلاة ، فإذا هو قد هجر فقضى صلاته ، ثم جلس فجلست إليه ، فقلت : والله إني لأحبك ، فأخذ بحبوتي ، ثم جبذني ، فقال : آلله ، مرتين ، أو ما شاء الله ، قال : قلت : نعم ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله عز وجل : وجبت محبتي أو رحمتي للذين يتحابون في ، ويتباذلون في ، ويتجالسون في ، ويتحاورون في . فهذا أبو بحرية [ ص: 130 ] السكوني قد روى عن معاذ نحو حديث أبي إدريس سواء في المعنى ، وليس في حديثه هذا ذكر مسجد دمشق ، ولا مسجد حمص .

وأخبرنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : أخبرني مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن أبي إدريس الخولاني ، قال : دخلت مسجد دمشق ، فإذا أنا بفتى براق الثنايا ، وإذا الناس حوله فذكر الحديث ، كما في الموطأ سواء ، إلا أنه قال : في آخرهسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في ، والمتجاورين في ، والمتباذلين في .

وقد روى أبو مسلم الخولاني ، عن معاذ بن جبل مثل ما روى عنه في هذا الحديث أبو إدريس وأبو بحرية إلا أن حديثه مختصر المعنى ، عن معاذ ، وقال في مسجد حمص ، وألفاظ هذا الحديث رواها أبو مسلم ، عن عبادة ، وجائز أن يكون عبادة ومعاذ وغيرهما أيضا سمعا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ممكن غير ممتنع على أن أبا مسلم الخولاني ، وإن كان فاضلا ، فإنهم يضعفون نقله ، وليس ممن يقاس بأبي إدريس الخولاني في فهمه وعلمه .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، وأخبرنا أحمد بن محمد ، قال : أخبرنا وهب بن مسرة ، قالا : أخبرنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، عن جعفر بن برقان ، عن حبيب بن أبي مرزوق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : أتيت مسجد أهل حمص [ ص: 131 ] فإذا فيه حلقة فيها كهول من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا شاب منهم أكحل العينين براق الثنايا ، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى - فتى شاب - قال : فقلت لجليس لي من هذا ؟ قال : هذا معاذ بن جبل ، قال : فجئت من العشي ، فلم يحضر ، قال : فغدوت من الغد ، فلم يجئ ، فرحت ، فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية ، قال : فركعت ، ثم تحولت إليه ، فدنوت منه ، فقلت : إني لأحبك في الله ، قال : فمدني إليه ، قال : كيف قلت ؟ قال : قلت : إني لأحبك في الله ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله .

قال : وحدثنا وكيع ، عن جعفر بن برقان ، عن حبيب بن أبي مرزوق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : خرجت فلقيت عبادة بن الصامت ، فذكرت له حديث معاذ ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي ، عن ربه عز وجل قال : حقت محبتي على المتحابين في وحقت محبتي على المتزاورين في ، وحقت محبتي على المتباذلين في ، والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله ، فهذا أبو مسلم الخولاني يروي عن معاذ وعبادة جميعا هذا الحديث إن كان واحدا ، والحديثين جميعا عن عبادة ، كما ترى .

، وأبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب ، لا يختلف في ذلك أهل العلم بالنقل والسير ، وكان فاضلا عابدا جليلا من كبار التابعين وخيارهم وجلتهم ، له كرامات كثيرة ، وأخبار عجيبة مشهورة ذكرها ابن أبي خيثمة وسعيد بن أسد وغيرهما ، وكان أبو مسلم الخولاني مسلما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقدم المدينة حين استخلف أبو بكر الصديق ، [ ص: 132 ] وقد أجرينا ذكره في كتاب الصحابة على شرطنا وقد روى عنه أبو إدريس الخولاني حديثا نذكره في آخر هذا الباب ، إن شاء الله .

قال أحمد بن زهير سمعت أحمد بن حنبل يقول : أبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب ، سمعته من أبي المغيرة ، قال أحمد بن زهير ، وسألت يحيى بن معين ، عن أبي مسلم الخولاني ، فقال : اسمه عبد الله بن ثوب ، شامي ، ثقة .

قال أبو عمر :

قد روي عن أبي إدريس الخولاني في هذا الحديث مثل رواية أبي مسلم الخولاني سواء عن معاذ ، وعن عبادة ، فأما حديثه عن معاذ ، فنحو حديث أبي مسلم عنه ، فقد ذكرناه من رواية أسد ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله ، عن معاذ .

وأما حديث أبي إدريس ، عن عبادة ، فمثل حديث أبي مسلم أيضا ، فذكره ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن أبي إدريس ، قال : حدثت عبادة بن الصامت ، فقال : لا أحدث إلا بما سمعت على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، أو المتواصلين ، شك شعبة في المتواصلين والمتزاورين ، وقد يمكن أن يكون أبو إدريس وأبو مسلم الخولانيان عرض لكل واحد منهما ما روي في هذا الباب عنهما مع معاذ وعبادة ، والله أعلم بالصحيح في ذلك ، ولا يقطع على خبر الآحاد .

[ ص: 133 ] وأما إسناد مالك ، عن أبي حازم فصحيح ، وليس في شيء من الأسانيد عن أبي إدريس ولا عن أبي مسلم مثله ، ولا ما يلحق به ، وحديث أبي مسلم الخولاني إنما يدور على حبيب بن أبي مرزوق ، وليس ممن يعارض بمثله حديث لمالك عن أبى حازم ، وكذلك حديث يعلى بن عطاء عن الوليد أيضا ليس بحجة على حديث مالك عن أبي حازم .

وقد روى أبو إدريس الخولاني ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث : تبايعوني ، بتمامه وهو يدخل في رواية النظير ، عن النظير .

حدثناه أحمد بن فتح ، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن عبد الله بن الخضر ، حدثنا محمد بن صالح الدمشقي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : حدثني الحبيب الأمين ، أما هو إلي فحبيب ، وأما هو عندي فأمين ، عوف بن مالك الأشجعي ، قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية ، فقال : ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فبسطنا أيدينا فبايعناه ، ثم قال قائل : يا رسول الله علام نبايعك ، قال : على أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وتصلوا الصلوات الخمس ، وتسمعوا وتطيعوا ، وأشد كلمة ، ولا تسألوا الناس شيئا ، فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم ، فلا يسأل أحدا يناوله إياه . وهذا حديث مشهور ، ليس من هذا الباب ، ولكني ذكرته لرواية أبي إدريس له - مع جلالته - عن أبي مسلم ، فإن من الناس من جعل أبا مسلم الخولاني مجهولا ، وهذا جهل بهذا الشأن ، وحسبك برواية أبي إدريس ، وهو من أجل تابعي الشاميين عنه .

وأما حديثه في هذا الباب فمعروف ، عن معاذ ، وعن عبادة أيضا وهو عن معاذ أشهر ، وكلاهما محفوظ .

وحدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن [ ص: 134 ] الجريري ، عن رجل ، قال : قلت لمعاذ بن جبل : إني أحبك في الله أو أحبك لله ، فقال لي : أنظر ما تقول - قالها ثلاث مرات - ثم قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله يحب الذين يتحابون في الله ، ويحب الذين يتقاعدون فيه ، ويحب الذين يتباذلون فيه ، ويحب الذين يتزاورون فيه ، ويحب الذين يتجاورون فيه

قال أبو عمر :

قوله : براق الثنايا ، أي أبيض الثنايا ، وقد مضى في باب أبي طوالة في المتحابين في الله ما فيه كفاية ، والحمد لله .

ولقد أحسن أبو العتاهية - رحمه الله - في قوله :


من لم يكن في الله يمنحك الهوى مزج الهوى بملالة وثقال






الخدمات العلمية