الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
266 [ ص: 119 ] حديث سادس لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ثم ينصرف ، فإذا سمع النداء بالصبح ركع ركعتين خفيفتين .

التالي السابق


ذكر قوم من رواة هذا الحديث عن هشام بن عروة أنه كان لا يجلس في شيء من الخمس ركعات إلا في آخرهن ، رواه حماد بن سلمة وأبو عوانة ووهيب وغيرهم ، وذكروا أنه كان لا يسلم بينهن ، وذلك كله لا يثبت ; لأنه قد عارضه عن عائشة ما هو أثبت منه ، وأكثر الحفاظ رووا هذا الحديث عن هشام كما رواه مالك والأصول تعضد رواية مالك ; لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلاة الليل مثنى مثنى ، وهذا من الأحاديث التي لم يختلف في إسنادها ولا في متنها ، وهو حديث ثابت مجتمع على صحته ، وهو قاض في هذا الباب على ما كان ظاهره خلافه ، وقد أوضحنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا وذكرنا ما للعلماء في ذلك من التنازع وأخبرنا بالوجه المختار الصحيح عندنا والحمد لله .

ولا وجه لتكرار ذلك هاهنا .

قال أبو عمر : الرواية المخالفة في حديث هشام بن عروة هذا لرواية مالك فيه إنما حدث به عن هشام أهل العراق ، وما حدث به هشام بالمدينة قبل خروجه إلى العراق أصح عندهم ، ولقد حكى علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان [ ص: 120 ] قال : رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة ، فقال : أما ما حدث به عندنا - يعني بالمدينة قبل خروجه فكأنه يصححه - ، وأما ما حدث به بعد ما خرج من عندنا ، فكأنه يوهنه .

وفي هذا الحديث دليل على أن ركعتي الفجر مما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليهما وهما عندنا من مؤكدات السنن ، وإن كان بعض أصحابنا يخالف في ذلك ، وقد بينا الوجه فيه في باب شريك بن أبي نمر وغيره من هذا الكتاب والحمد لله .

وفي هذا الحديث من الفقه المواظبة على صلاة الليل ، وأن صلاة الليل آخرها الوتر إما بواحدة وإما بثلاث ، وقد قيل غير ذلك على حسب ما أوضحناه في باب سعيد بن أبي سعيد وباب نافع والحمد لله .

وفيه النداء للصبح بعد الفجر وتخفيف ركعتي الفجر ، وقد استدل به من زعم أن النداء بالصبح لا يكون إلا بعد الفجر ، وقد مضى القول في ذلك في باب ابن شهاب عن سالم والحمد لله وبه التوفيق .




الخدمات العلمية