الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
838 حديث ثامن عشر لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : قلت لعائشة أم المومنين وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول الله - عز وجل - : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما ؟ قالت عائشة : كلا لو كان كما تقول لكانت : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار ، كانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأنزل - عز وجل - : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . [ ص: 151 ]

التالي السابق




[ ص: 151 ] قال ابن وهب : مناة حجر كان أهل الجاهلية يعبدونه ، وكان في المشلل الجبل الذي تصدر منه إلى قديد .

قال أبو عمر : في هذا الحديث من قول عائشة دليل على وجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج ، وقد بينت عائشة معنى نزول الآية ومخرجها وجاءت بالعلم الصحيح في ذلك وعلى قولها على وجوب السعي بين الصفا والمروة مالك والشافعي وأصحابهما ، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور ، وكل هؤلاء يقول : إن السعي بين الصفا والمروة واجب فرضا ، وعلى من نسيه أو نسي شوطا واحدا منه أن ينصرف إليه حيث ذكره في بلده أو غير بلده حتى يأتي به كاملا ، كمن نسي الطواف الواجب طواف الإفاضة سواء ، أو نسي شيئا منه ، ولا خلاف بين علماء المسلمين في وجوب طواف الإفاضة ، وهو الذي يسميه العراقيون طواف الزيارة يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ، إلا أن منهم من يقول : إن عمل الحج ينوب فيه التطوع عن الفرض على ما بيناه عنهم في غير هذا الموضع .

واختلفوا في وجوب السعي بين الصفا والمروة ، فذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى ما ذكرنا ، وهو مذهب عائشة - رضي الله عنها - ومذهب عروة وغيره ، وكان أنس بن مالك وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين يقولون : هو تطوع وليس ذلك بواجب . وروي ذلك عن ابن عباس ، ويشبه أن يكون مذهب أبي بن كعب وابن مسعود ; لأن في مصحف أبي ( ومصحف ) ابن مسعود ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) .

[ ص: 152 ] وقال أبو حنيفة والثوري : من ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه دم ، وهو قول الحسن البصري ، إلا أن تلخيص أبي حنيفة في ذلك إن طاف أربعة أشواط وترك ثلاثة فعليه إطعام ثلاثة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة ، وإن ترك شوطين أطعم مسكينين كذلك نصف صاع لكل واحد منهما ، وإن ترك شوطا واحدا أطعم مسكينا واحدا نصف صاع من حنطة ، إلا أن يكون طعامه هذا يبلغ دما ، فإن بلغ دما أطعم من ذلك ما شاء فأجزى عنه ، وإن ترك السعي كله بين الصفا والمروة في الحج ناسيا أو في العمرة فعليه دم .

وروي عن طاوس في هذا المسألة أنه قال : على من ترك السعي بين الصفا والمروة عمرة .

واختلف عن عطاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : أحدها أنه لا شيء على من ترك السعي بين الصفا والمروة ، والآخر أنه عليه دم ، والثالث أنه إن شاء أطعم مساكين ، وإن شاء ذبح شاة فأطعمها المساكين .

قال أبو عمر : قد مضت هذه المسألة مجودة ممهدة مبسوطة بما فيها من الحجة لمن قال بقولنا من جهة الأثر ، إذ لا مدخل فيها للنظر في باب جعفر بن محمد من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادة ذلك هاهنا .




الخدمات العلمية