الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
381 حديث سادس وعشرون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، ، عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم ، كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوما فذهب لحاجته ثم رجع ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة .

التالي السابق


قد ذكرنا عبد الله بن الأرقم في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا ، ولم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه ، واختلف فيه عن هشام بن عروة ، فرواه مالك كما ترى وتابعه زهير بن معاوية ، وسفيان بن عيينة ، وحفص بن غياث ، ومحمد بن إسحاق ، وشجاع بن الوليد ، وحماد بن زيد ، ووكيع ، وأبو معاوية ، والمفضل بن فضالة ، ومحمد بن كناسة ، كلهم رواه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم كما رواه مالك ، ورواه [ ص: 204 ] وهيب بن خالد ، وأنس بن عياض ، وشعيب بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن رجل حدثه ، عن عبد الله بن الأرقم ، فأدخل هؤلاء بين عروة وبين عبد الله بن الأرقم رجلا .

ذكر ذلك أبو داود ، ورواه أيوب بن موسى ، عن هشام ، عن أبيه أنه سمعه من عبد الله بن الأرقم ، فالله أعلم .

ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، عن أيوب بن موسى ، عن هشام بن عروة ، عن عروة قال : خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ، ثم قال : صلوا ، وذهب لحاجته ، فلما رجع قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه في هذا الحديث متصلة ، وابن جريج وأيوب بن موسى ثقتان حافظان .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن سعيد الجمال قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حضر الرجل الصلاة وأراد الخلاء بدأ بالخلاء .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم أنه كان يسافر فكان يؤذن لأصحابه ويؤمهم ، فثوب بالصلاة يوما ، فقال : ليؤمكم أحدكم فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أراد أحدكم أن يأتي الخلاء وأقيمت الصلاة فليبدأ بالخلاء .

[ ص: 205 ] وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أبي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه .

ورواه أبو الأسود ، عن عروة ، عن عبد الله بن الأرقم ذكره ابن وهب ، ، عن ابن لهيعة ، ، عن أبي الأسود في هذا الحديث من الفقه أن لا يصلي أحد وهو حاقن ، واختلف الفقهاء فيمن صلى وهو حاقن ، فقال ابن القاسم ، عن مالك : إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإني أحب أن يعيد في الوقت وبعده . وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن : يكره أن يصلي وهو حاقن ، وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فرضها . وقال الثوري : إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلا وانصرف . وقال الطحاوي : لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من أمر الدنيا لم تستحب له الإعادة ، كذلك إذا شغله البول .

قال أبو عمر : أحسن شيء روي مسندا في هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم وحديث عائشة ، فأما حديث عبد الله بن الأرقم فقد مضى ، وأما حديث عائشة فأحسن أسانيده ما حدثناه عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن عيسى ومسدد المعنى قالوا : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن أبي حرزة قال : حدثنا عبد الله بن محمد يعني ابن أبي بكر أخو القاسم بن محمد قال : كنا عند عائشة فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي فقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 206 ] يقول : لا يصلي أحد بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان ، وهذا حديث ثابت صحيح .

وأما ما روي عن الزهري ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين : الغائط ، والبول ، فلا أصل له في حديث مالك ، وهو موضوع الإسناد .

قال أبو عمر : قد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئا أن صلاته مجزية عنه ، فكذلك إذا صلاها حاقنا فأكمل صلاته . وفي هذا دليل على أن النهي عن الصلاة بحضرة الطعام من أجل خوف اشتغال بال المصلي بالطعام عن الصلاة وتركه إقامتها على حدودها ، فإذا أقامها على حدودها خرج من المعنى المخوف عليه وأجزته صلاته لذلك ، وقد روى يزيد بن شريح الحضرمي ، عن أبي حي المؤذن ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا رواه ثور بن يزيد الشامي ، عن يزيد بن شريح .

ورواه حبيب بن صالح ، عن يزيد بن شريح ، عن أبي حي المؤذن ، عن ثوبان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومثل هذا الخبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث ، ولو صح كان معناه أنه إذا كان حاقنا جدا لم يتهيأ له إكمال الصلاة على وجهها ، والله أعلم .

[ ص: 207 ] وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : من استطاع منكم فلا يصلي وهو موجع من خلاء أو بول ، وهذا - والله أعلم - يدل على الاستحباب .

وروي عنه أيضا أنه قال : لا يدافعن أحدكم الخبث في الصلاة . ذكره ابن المبارك .

أخبرنا عمران بن حدير ، عن نصر بن عاصم ، عن عمر بن الخطاب ، والخبر الأول عن عمر ذكره أيضا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الله بن رافع الحضرمي المصري ، عن عمرو بن معدي كرب سمع عمر ( يقول ) .

وذكر مالك ، عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال : لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه . وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا نعيم قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لأن أصلي وهو في ناحية من ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه . فهؤلاء كرهوا الصلاة للحاقن ، وجاءت فيه رخصة عن إبراهيم النخعي وطاوس اليماني .

ذكر ابن المبارك ، عن الثوري ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم قال : لا بأس به ما لم يعجلك . وعن سفيان ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس قال : إنا لنصره ضما وإنا لنضغطه .

قال أبو عمر : الذي نقول به أنه لا ينبغي لأحد أن يفعله ، فإن فعل وسلمت له صلاته أجزأت عنه وبئسما صنع ، وفي قوله في هذا الحديث وغيره : إذا أراد أحدكم الغائط ما يدلك على هروب العرب من الفحش والقذع ودناءة القول وفسولته ، [ ص: 208 ] ومجانبتهم للخنا كله ، فلهذا قالوا لموضع الغائط : الخلاء ، والمذهب ، والمخرج ، والكنيف ، والحش ، والمرحاض ، وكل ذلك كناية وفرار عن التصريح في ذلك .




الخدمات العلمية