الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
918 حديث موفي خمسين لهشام بن عروة‌‌‌

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلاة بمنى ركعتين ، وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين ، وأن عمر صلاها بمنى ركعتين ، وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين شطر إمارته ثم أتمها بعد .

التالي السابق


وهذا لم يختلف في إرساله في الموطأ ، وهو مسند صحيح من حديث ابن عمر وابن مسعود ومعاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بمنى ركعتين فحديث ابن عمر رواه سالم ونافع ، وحديث ابن مسعود رواه أبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النخعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، ، عن ابن مسعود وحديث معاوية رواه ابن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن معاوية .

[ ص: 304 ] وفي حديث مالك هذا من الفقه قصر الصلاة في السفر ، وفيه أن الإمام المسافر لا يتم بمنى ، وهذا إذا لم ينو إقامة ، فإن نوى إقامة لزمه الإتمام ، وهذا عندنا إذا نوى إقامة أربع فما عدا .

وفيه أن عثمان أتم بعد تقصيره وعلمه بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر قصروا في مثل ما أتم هو فيه ، فدل ذلك على إباحة القصر والتمام عنده ، وقد تأول قوم على عثمان في إتمامه ذلك تأويلات ، منها أنه نوى الإقامة واتخذ دارا بمكة وأهلا ، وهذا لا يعرف ، بل المعروف بأنه لم يكن له فيها أهل ولا مال .

وقيل : كان قد اتخذ أهلا بالطائف ، وقيل : لأنه كان أمير المؤمنين ، فكانت أعماله كأنها داره ، وهذا عله لا يصح في نظر ولا يثبت في خبر ، وقد كان المقام بمكة بعد تمام الحج عند عثمان مكروها ، على ذلك جماعة من أهل العلم ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقم فيما بعد تمام حجته ولا أبو بكر ولا عمر ، ولهذا قال : ( من قال ) من السلف : الجوار بمكة بدعة .

وقد ذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع ، وهذا يدلك على أنه لم يتخذ بمكة أهلا قط ، والله أعلم .

ومنها أنه إنما فعل ذلك من أجل أعرابي صلى معه فقصر العام كله في أهله ، ثم أخبره من قابل بما صنع فعز على عثمان فعله ذلك فأتم ، وهذا أيضا ضعيف من التأويل ، ومنها أنه أخذ بالإباحة في ذلك ، وهذا أصح ما فيه ، والله أعلم .

وقد مضى القول في قصر الصلاة في السفر وفي أحكامها ، واختلاف العلماء فيها بمنى وغيرها ممهدا مبسوطا بعلل كل فرقة ووجوه قولها في باب ابن شهاب ، عن رجل من آل خالد بن أسيد من هذا الكتاب ، وفي باب صالح بن كيسان أيضا ، فلا معنى لتكرير ذلك هاهنا .

[ ص: 305 ] حدثنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا الحسن بن يحيى بالقلزم قال : حدثنا عبد الله بن الجارود قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله قال : أخبرني نافع ، ، عن ابن عمر قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ، ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ومع عثمان ركعتين ، صدرا من إمارته ثم أتمها عثمان .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا البخاري قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، حدثنا عبيد الله أخبرني نافع ، ، عن ابن عمر قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين ، ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها .

قال البخاري : وقد روى حفص بن عاصم ، عن ابن عمر : صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك .

قال أبو عمر : حديث حفص بن عاصم هذا ، عن ابن عمر حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا عمر بن محمد الجمحي بمكة قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن أبيه قال : صحبت ابن عمر بطريق مكة فصلى بها الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله فجلس وجلسنا معه ، فحانت منه التفاتة نحو الموضع حيث صلى ، فرأى ناسا قياما فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ [ ص: 306 ] فقلت : يتمون ، فقال : يا ابن أخي ، صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر ، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، ثم صحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، وصحبت عمر بن الخطاب فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ، وقد قال الله - عز وجل - : ( لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ) .

في هذا الحديث أن عثمان لم يتم في سفره حتى مات ، وهذا يعارض رواية من روى أنه أتم شطر إمارته ، وتلك الرواية أولى من جهة الأثر ومن جهة النظر ؛ لأنها زيادة .

وفيه دليل على أن القصر سنة مسنونة ، ولو كان فرضا ما تركهم ابن عمر والإتمام ، ولغير ذلك عليهم وأمرهم بالإعادة لإفسادهم صلاتهم ، ولو كان كذلك ما وسعه السكوت عليه ، ولكن لما عرف أن القصر أفضل ، وأن الأخذ بالسنة أولى ندبهم إلى التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما في ذلك من الفضل ، وسواء كان القصر رخصة أو لم يكن هو أفضل ؛ لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروينا عن ابن مسعود نحو هذا المعنى الذي جاء ، عن ابن عمر فيما ذكرنا ، حدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا بشر بن عمر قال : شعبة قال : أخبرني سليمان ، عن عمارة بن عمير وإبراهيم ، ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله قال : صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر ومع عمر ركعتين ، فليت حظنا من أربع ركعتين متقبلتين ، وهذا يدل على الإباحة أيضا ، والله أعلم .

[ ص: 307 ] حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا علي بن زيد بن جذعان ، عن أبي نضرة قال : مر عمران بن حصين فجلسنا فقام إليه فتى من القوم وسأله عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغزو والحج والعمرة ، فجاء فوقف علينا فقال : إن هذا سألني عن أمر فأردت أن تسمعوه أو كما قال : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، وحججت معه فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ، ثم يقول : لأهل البلد صلوا أربعا ؛ فإنا على سفر ، واعتمرت معه ثلاث عمر لا يصلي إلا ركعتين ، وحججت مع أبي بكر الصديق وغزوت فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، وحججت مع عمر بن الخطاب حجات ، فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، وحج عثمان سبع سنين من إمارته لا يصلي إلا ركعتين ، ثم صلاها بمنى أربعا .

قال الطحاوي : في هذا الحديث معنى لا يوجد في غيره ، وهو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل البلد الذين صلى بهم فيه هذه الصلاة : صلوا أربعا ؛ فإنا على سفر وهي سنة يتفق أهل العلم عليها ولم نجدها في غير هذا الحديث ، وهذه السنة مما تفرد به أهل البصرة دون من سواهم .




الخدمات العلمية