الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1198 [ ص: 367 ] حديث حاد وأربعون ليحيى بن سعيد

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصارية - : أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من هذه ؟ فقالت : أنا حبيبة ابنة سهل يا رسول الله قال : ما شأنك ؟ قالت : لا أنا ، ولا ثابت بن قيس - لزوجها ، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر ، فقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطاني عندي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت : خذ منها ، فأخذ منها وجلست في أهلها .

التالي السابق


لم يختلف على مالك في هذا الحديث ، وهو حديث صحيح ثابت مسند متصل ، وهو الأصل في الخلع ، وفيه إباحة اختلاع المرأة من زوجها بجميع صداقها ، وفي معنى ذلك جائز أن تختلع منه بأكثر من ذلك وأقل ; لأنه مالها ، كما الصداق مالها ، فجائز الخلع بالقليل والكثير إذا لم يكن الزوج مضرا بها ، فتفتدي من أجل ضرره .

[ ص: 368 ] وأجمع العلماء على إجازة الخلع بالصداق الذي أصدقها إذا لم يكن مضرا بها ، وخافا ألا يقيما حدود الله ، واختلفوا في الخلع على أكثر مما أعطاها ، فذهب مالك ، والشافعي إلى جواز الخلع بقليل المال وكثيره ، وبأكثر من الصداق ، وبمالها كله إذا كان ذلك من قبلها ، قال مالك : لم أزل أسمع إجازة الفدية بأكثر من الصداق لقول الله - عز وجل - ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ولحديث حبيبة بنت سهل مع ثابت بن قيس قال : فإذا كان النشوز من قبلها جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع ، وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت بذلك ، وكان لم يضر بها ، فإن كان لخوف ضرره أو لظلم ظلمها أو أضر بها لم يجز له أخذه ، وإن أخذ شيئا منها على هذا الوجه رده ، ومضى الخلع عليه .

وقال الشافعي : الوجه الذي تحل به الفدية والخلع أن تكون المرأة مانعة لما يجب عليها غير مؤدية حقه كارهة له ، فتحل الفدية حينئذ للزوج قال الشافعي : وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا له على غير فراق ، جاز له أن يأكل ما طابت له به نفسا ، وتأخذه بالفراق إذا كان ذلك برضاها ، ولم يضرها .

قال الشافعي : والمختلعة لا يلحقها طلاق ، وإن كانت في العدة ، وهو قول ابن عباس ، وابن الزبير .

قال أبو عمر :

وبه قال مالك ، وهو القياس والنظر ; لأنها ليست زوجة .

[ ص: 369 ] وقال إسماعيل القاضي : اختلف الناس فيما يأخذ منها على الخلع ، فاحتج الذين قالوا : يأخذ منها أكثر مما أعطاها بقول الله - عز وجل - ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) .

قال إسماعيل : فإن قال قائل : إنما هو معطوف على ما أعطاها من صداق أو بعضه ، قيل له : لو كان كذلك لكان ، ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) منه أو من ذلك .

قال : وهو بمنزلة من قال : لا تضربن فلانا إلا أن تخاف منه ، فإن خفته فلا جناح عليك فيما صنعت به ، فهذا إن خافه كان الأمر إليه فيما يفعل به ; لأنه لو أراد الضرب خاصة ، لقال من الضرب أو فيما صنعت به منه .

واحتج الذين قالوا : لا يحل له من ذلك شيء حتى يراها على فاحشة بقوله ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) .

واحتج الذين قالوا : إنه لا يجوز الأخذ إذا كانت الإساءة من قبله بقوله ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) . الآية .

هكذا قال إسماعيل قال : ومن قال بأن قوله ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) منسوخ بالآيتين ، فإن قوله مدفوع بأنه إنما يكون النسخ بالخلاف ، ولا خلاف في الآيتين للآية الأخرى ; لأنهما إذا خافا ألا يقيما حدود [ ص: 370 ] الله ، فقد صار الأمر منهما جميعا ، والعمل في الآية الأخرى منسوب إلى الزوج خاصة ، وذلك إرادته لاستبدال زوج مكان زوج ، ولأن الزوجة إذا خافت ألا تقيم حدود الله فاختلعت منه ، فقد طابت نفسها بما أعطت ، وهو قول عامة أهل العلم ، وذكر حديث حبيبة بنت سهل ، عن أبي مصعب ، عن مالك ، ثم قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب أنه أصحهما ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) .

قال : هو أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .

قال : وحدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة قال : كان أبي يقول : إذا جاء الفساد من قبل المرأة حل له الخلع ، وإن جاء من قبل الرجل ، فلا ولا نعمة .

قال أبو عمر :

ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته شيئا من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها ، قيل له : وكيف يكون النشوز ؟ قال : أن تظهر له البغضاء ، وتسيء عشرته ، وتظهر له الكراهية ، وتعصي أمره ، فإذا فعلت ذلك فقد حل له أن يقبل منها ما أعطاها لا يحل له أكثر مما أعطاها ، وهو قول أبي حنيفة .

[ ص: 371 ] قال أبو عمر : روي عن علي بن أبي طالب بإسناد منقطع : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، وهو قول الحسن ، وعطاء ، وطاوس ، وعن ابن المسيب ، والشعبي : كرها أن يأخذ منها كل ما أعطاها .

وروي عن ابن عمر ، وابن عباس : أنه لا بأس أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، وهو قول عكرمة ، وإبراهيم ، ومجاهد وجماعة .

ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع - أن ابن عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من زوجها بكل شيء لها ، وبكل ثوب عليها ، فلم ينكر ذلك عبد الله . وقال عكرمة : يأخذ منها حتى قرطها .

وقال مجاهد ، وإبراهيم : يأخذ منها حتى عقاص رأسها .

واختلفوا في فرقة الخلع : فذهب مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم إلى أن الخلع تطليقة بائنة ، وهو أحد قولي الشافعي ، وأحب إلى المزني .

وقال أحمد ، وإسحاق : الخلع فرقة ، وليس بطلاق ، وهو قول داود .

وقال الشافعي في أحد قوليه : إن الرجل إذا خلع امرأته ، فإن نوى بالخلع طلاقا أو سماه ، فهو طلاق ، فإن كان سمى واحدة ، فهي تطليقة بائنة ، وإن لم ينو طلاقا ولا شيئا لم تقع فرقة .

[ ص: 372 ] وقال أبو ثور : إذا لم يسم الطلاق ، فالخلع فرقة وليس بطلاق ، وإن سمى تطليقة ، فهي تطليقة ، فهي تطليقة ، والزوج أملك برجعتها ما دامت في العدة .

قال أبو عمر :

احتج من لم ير الخلع طلاقا بحديث ابن عيينة ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن ابن عباس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله ، فقال : رجل طلق امرأته تطليقتين ، ثم اختلعت منه : أيتزوجها ؟ قال : نعم لينكحها ليس الخلع بطلاق - ذكر الله - عز وجل - الطلاق في أول الآية وآخرها ، والخلع فيما بين ذلك ، فليس الخلع بشيء ، ثم قال ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) . وقرأ ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) .

واحتج من جعل الخلع طلاقا بحديث شعبة ، عن الحكم ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن شهاب قال : شهدت عمر بن الخطاب أتته المرأة ورجل في خلع فأجازه ، وقال : إنما طلقك بمالك ، وبحديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن جمهان مولى الأسلميين ، عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ، ثم أتيا عثمان بن عفان في ذلك ، فقال : هي تطليقة إلا أن تكون سميت ، فهو كما سميت .

[ ص: 373 ] قال إسماعيل : وكيف يجوز القول في رجل قالت له امرأته : طلقني على ماله فطلقها : أنه لا يكون طلاقا ، وهو لو جعل أمرها بيدها من غير شيء ، فطلقت نفسها كان طلاقا .

قال : فأما قوله : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد ) فهو معطوف على ( الطلاق مرتان ) لأن قوله ( أو تسريح ) إنما يعني به أو تطليق - والله أعلم - فلو كان الخلع معطوفا على التطليقتين لكان لا يجوز الخلع أصلا إلا بعد تطليقتين ، وهذا لا يقوله أحد قال : ومثل هذا في القرآن كثير مثل ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) .

وهي على كل من حلق محصر أو غير محصر ; لأنه لم يخص المحصر كما لم يخص بالفدية من قد طلق تطليقتين بل هي للأزواج كلهم .

واختلف الفقهاء - أيضا - في عدة المختلعة ، فقال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، وهو قول أحمد بن حنبل : عدة المختلعة كعدة المطلقة ، فإن كانت ممن تحيض ، فثلاث حيض ، وإن كانت من اليائسات ، فثلاثة أشهر ، ويروى هذا عن عمر ، وعلي ، وابن عمر .

وقال إسحاق ، وأبو ثور : عدة المختلعة حيضة ، ويروى هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن عمرو بن [ ص: 374 ] مسلم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن ثابت بن قيس اختلعت منه امرأته ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدتها حيضة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن حيون حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال : حدثنا علي بن حرب قال : حدثنا هشام ، عن معمر بإسناده .

ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عمرو بن مسلم ، عن عكرمة مرسلا .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - - أيضا - من وجه آخر ، وكلاهما ليس بالقوي ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : حدثنا المعلى بن منصور حدثنا ابن لهيعة قال : حدثني أبو الأسود ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن ربيع بنت معوذ قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر امرأة ثابت بن قيس حين اختلعت منه أن تعتد بحيضة .

وروي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في ذلك بما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن زبان حدثنا محمد بن رمح قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن نافع - أنه سمع الربيع ابنة معوذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان ، فجاء معها عمها معاذ بن عفراء إلى [ ص: 375 ] عثمان ، فقال : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أفتنتقل ؟ فقال عثمان : تنتقل ، ولا ميراث بينهما ، ولا عدة عليها ، ولكن لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل ، فقال ابن عمر : عثمان خيرنا وأعلمنا .

وفي رواية أيوب ، وعبيد الله بن عمر في هذا الحديث ، عن نافع ، عن ابن عمر : ولا نفقة لها .

قال أبو عمر : في هذا الحديث أحكام وعلوم ، منها : أن عثمان رضي الله عنه أجاز الخلع ، وعلى ذلك جماعة الناس إلا بكر بن عبد الله المزني ، فإنه قال : إن قوله - عز وجل - ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) منسوخ نسخه قوله ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا ) الآية .

قال عقبة بن أبي الصهباء : سألت بكر بن عبد الله المزني ، عن الرجل يريد أن يخالع امرأته ، فقال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا . قلت : فأين قول الله - عز وجل - ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) قال هي منسوخة قلت : وما نسخها ؟ قال : ما في سورة النساء قوله ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه ) الآية .

[ ص: 376 ] قال أبو عمر : قول بكر هذا خلاف السنة الثابتة في قصة ثابت بن قيس ، وحبيبة بنت سهل ، وخلاف جماعة العلماء ، والفقهاء بالحجاز ، والعراق ، والشام ، وكان ابن سيرين ، وأبو قلابة يقولان : لا يحل للرجل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا ; لأن الله يقول : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) .

قال أبو قلابة : فإذا كان ذلك جاز له أن يضارها ، ويشق عليها حتى تختلع منه .

قال أبو عمر : ليس هذا بشيء ; لأن له أن يطلقها أو يلاعنها ، وأما أن يضارها ليأخذ مالها ، فليس ذلك له .

وفي حديث عثمان - أيضا - من الفقه : إجازة الخلع عند غير السلطان ، وهو خلاف قول الحسن ، وزياد ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين ; قال سعيد بن أبي عروبة : قلت لقتادة : عمن أخذ الحسن الخلع إلى السلطان ؟ قال : عن زياد ، وفيه أنه جعله طلاقا خلافا لقول ابن عباس أنه فسخ بغير طلاق ، وفيه أنه أجازه بالمال ، ولم يسأل أهو أكثر من صداقها أو أقل على خلاف ما يقول أبو حنيفة ، والزهري ، وعطاء ، ومن تابعهم في أن الخلع لا يكون بأكثر من الصداق . وفيه أنه أجاز للمختلعة أن تنتقل ، فلم يجعل لها سكنى [ ص: 377 ] وجعلها خلافا للمطلقة ، وهذا خلاف قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة .

وفيه أنه لم يجعل عدتها عدة المطلقة ، وجعل عدتها حيضة ، وبهذا قال إسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وهو قول ابن عباس بلا اختلاف عنه ، وأحد قولي الشافعي ، وروي عن ابن عمر مثل ذلك .

وروي عنه أن عدة المختلعة عدة المطلقة ، رواه مالك ، وغيره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وهو أصح عن ابن عمر ، وهو المشهور من قول الشافعي ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وسالم ، وعروة ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، والحسن ، والنخعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل .

وفيه أن المختلعة أملك لنفسها لا تنكح إلا برضاها - خلاف قول أبي ثور .

وفيه دليل على أن المختلعة لا يلحقها طلاق ، ولا ظهار ، ولا إيلاء ، ولا لعان ; لأنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ، ولا يتوارثان ، وجعلها بخلاف الرجعية .

وقول أبي حنيفة : إنها يلحقها الطلاق خلاف أقاويل الفقهاء ، وكذلك ما رواه طاوس ، عن ابن عباس في أن الخلع ليس بطلاق ( شذوذ في الرواية ) ، وما احتج به غير لازم ; لأن قوله - عز وجل - ( الطلاق مرتان ) عند أهل العلم كلام تام بنفسه ، وقوله ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) حكم مستأنف [ ص: 378 ] فيمن طلقت ، وفيمن لم تطلق ، ثم قال ( فإن طلقها ) فرجع إلى المعنى الأول في قوله ( الطلاق مرتان ) ومثل هذا التقديم والتأخير ، ودخول قصة على أخرى في القرآن كثير ، ولطاوس مع جلالته روايتان شاذتان عن ابن عباس ، هذه إحداهما في الخلع ، والأخرى في الطلاق الثلاث المجتمعات أنها واحدة .

وروى عن ابن عباس جماعة من أصحابه خلاف ما روى طاوس في طلاق الثلاث - أنها لازمة في المدخول بها وغير المدخول بها - أنها ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وعلى هذا جماعة العلماء والفقهاء بالحجاز ، والعراق ، والشام ، والمشرق ، والمغرب من أهل الفقه والحديث ، وهم الجماعة والحجة ، وإنما يخالف في ذلك أهل البدع الخشبية ، وغيرهم من المعتزلة والخوارج - عصمنا الله برحمته - وذكر إسماعيل القاضي حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح قال : تكلم طاوس ، فقال : الخلع ليس بطلاق هو فراق ، فأنكره عليه أهل مكة ، فجمع ناسا منهم ابنا عباد ، وعكرمة بن خالد ، فاعتذر إليهم من هذا القول ، وقال إنما ابن عباس قاله .

قال القاضي : لا نعلم أحدا من أهل العلم قاله إلا من رواية طاوس .

[ ص: 379 ] قال أبو عمر : قال مالك - رحمه الله - : المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها ، والمفتدية هي التي افتدت ببعض مالها ، والمبارئة هي التي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها ، فقالت : قد أبرأتك مما كان يلزمك من صداقي - ففارقني قال : وكل هذا سواء هي تطليقة بائنة .

قال أبو عمر : قد تدخل عند غيره من أهل العلم بعض هذه الألفاظ على بعض ، فيقال : مختلعة ، وإن دفعت بعض مالها ، وكذلك المفتدية ببعض مالها وكل مالها ، وهذا توجبه اللغة ، - والله أعلم - .

قال أبو عمر : واختلف العلماء في المختلعة هل لزوجها أن يخطبها في عدتها ، ويراجعها بإذنها ورضاها على حكم النكاح ؟ فقال أكثر أهل العلم : ذلك جائز له وحده ، وليس لأحد غيره أن يخطبها في عدتها ، وهو مذهب مالك ، والشافعي وجمهور الفقهاء ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والزهري ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم .

وقالت طائفة من المتأخرين : لا يخطبها في عدتها هو ولا غيره ، وهو وغيره في نكاحها وعدتها سواء ، وهذا شذوذ ، وبالله التوفيق ، ( والعصمة ) .




الخدمات العلمية