الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1698 [ ص: 244 ] حديث أول لزيد بن أسلم مسند صحيح عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار ، وزيد بن أسلم : كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء .

التالي السابق


قال أبو عمر :

الخيلاء : التكبر ، وهي الخيلاء ، والمخيلة يقال منه : رجل خال ، ومختال شديد الخيلاء ، وكل ذلك من البطر ، والكبر ، والله لا يحب المتكبرين ، ولا يحب كل مختال فخور .

وهذا الحديث يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ، ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور ، غير أن جر الإزار ، والقميص ، وسائر الثياب مذموم على كل حال .

وأما المستكبر الذي يجر ثوبه ، فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد .

[ ص: 245 ] يروى عن النبي عليه السلام فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، من نازعني واحدة منهما أدخلته النار .

( روى كريب بن إبراهيم ، عن أبي ريحانة سمعه يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يدخل شيء من الكبر الجنة ) .

وترك التكبر واجب فرضا ( وهيئة اللباس سنة ) .

قال - صلى الله عليه وسلم - أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، ولا جناح عليه فيما بين ذلك إلى الكعبين ، ما أسفل من ذلك ففي النار .

يعني أن هذا مستحق من فعل ذلك ، وهو عالم بالنهي ، مستخف بما جاءه عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وإن عفا الله عنه فهو أهل العفو ، وأهل المغفرة .

[ ص: 246 ] ومما يدل على أن جر الإزار مذموم على كل حال : ما ذكره أبو زرعة قال : حدثنا محمد بن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة أنه أخبرهم عن زيد بن أسلم قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول لابن ابنه ( عبد الله بن واقد ) : يا بني ارفع إزارك ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء .

ألا ترى أن ابن عمر لم يقل لابن ابنه : هل تجره خيلاء ؟ بل أرسل ذلك إرسالا ; خوفا منه أن يكون ذلك خيلاء ( ولو صح أنه ليس خيلاء لدينه إن شاء الله .

وذكر الحسن الحلواني قال : حدثنا خالد بن خداش قال : حدثنا حماد بن زيد قال : كان قميص أيوب يسم الأرض ، هروي جيد ) .

وقد زعم أبو جعفر الطحاوي أن زيد بن أسلم لم يسمع من ابن عمر ، وهذا غلط ، وقد بان لك في حديث ابن عيينة هذا [ ص: 247 ] سماعه ، ومما يدل على ذلك أيضا ما ذكره ابن وهب في كتاب المجالس قال : أخبرنا ابن زيد ، عن أبيه : أن أباه أسلم أرسله إلى عبد الله بن عمر يكتب له إلى قيمه بخيبر أن يصنع له خصفتين للأقط ، قال : فجئته فقلت : أألج ؟ فقال : ادخل ، فلما دخلت قال : مرحبا بابن أخي لا تقل : أألج ؟ ولكن قل السلام عليكم ، فإذا قالوا : وعليك ، فقل : أأدخل ؟ فإذا قالوا : ادخل فادخل ، فقال له زيد : إن أبي يقرأ عليك السلام ، ويقول : اكتب إلى قيمك بخيبر أن يصنع له خصفتين للأقط ، فقال : نعم ، وكرامة ، اكتب يا غلام ، فكتب إلى قيمه يأمره أن يصنع لي خصفتين جيدتين حسنتين ، فلم يأل ، قال زيد : فبينما هو يكتب ; إذ دخل عليه عبد الله بن واقد ابن ابنه ، وهو ملتحف مرخ ثوبه ، فقال له : ارفع ثوبك ، فرفع ، فقال : ارفع ، فرفع ، فقال : ارفع ، فرفع ، وقال : إن في رجلي قروحا فقال : وإن ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله عز وجل إلى من يجر ثوبه من الخيلاء يوم القيامة ، وهذا واضح في كراهية ابن عمر لجر الإنسان ثوبه على كل حال ; لأن عبد الله بن واقد ، أخبره أن في رجليه قروحا ، فقال : وإن . [ ص: 248 ] وقد روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة لم يختلفوا فيه ، منهم نافع ، وسالم ، وعبد الله بن دينار ، وعبد الله بن واقد ، وزيد بن أسلم ، ومحارب بن دثار ، وجبير بن أبي سليمان وغيرهم .

ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة منهم : ابن عمر ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري قال : حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، وزعم أنه كان جالسا مع ابن عمر إذ مر به فتى ، شاب ، عليه جبة صنعانية يجرها ، مسبلا ، فقال : يا فتى هلم ، فقال له الفتى : ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن قال : ويحك : أتحب أن ينظر الله إليك يوم القيامة ؟ قال : سبحان الله ، وما يمنعني من ذلك ؟ قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله إلى عبد يوم القيامة يجر إزاره خيلاء قال : فلم ير الفتى إلا مشمرا بعد ذلك اليوم حتى مات .

[ ص: 249 ] وقد ظن قوم أن جر الثوب إذا لم يكن خيلاء ، فلا بأس به ، واحتجوا لذلك بما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا البخاري قال : أخبرنا ابن مقاتل قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرنا موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر : إن أحد شقي ليسترخي ، إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك لست تصنع ذلك خيلاء .

قال موسى : قلت لسالم : أذكر عبد الله من جر إزاره ؟ قال : لم أسمعه إلا ذكر ثوبه ، وهذا إنما فيه أن أحد شقي ثوبه يسترخي ، لا أنه تعمد ذلك خيلاء ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لست ذلك ، ولا يتعمده ، ولا يظن بك ذاك ، وقد مضى ما فيه كفاية في هذا المعنى ، وسنزيده بيانا في باب العلاء إن شاء الله .

وذكر موسى بن هارون الحمال قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا أبو معشر ، عن أبي حازم قال : إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى عبد يجر ثوبه من الخيلاء حتى يضع ذلك الثوب ، وإن كان الله يحب ذلك العبد .

[ ص: 250 ] قال أبو عمر :

روى زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أحاديث ، منها هذا .

ومنها حديث ابن عمر ، عن صهيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رد السلام في الصلاة بالإشارة .

ومنها : إن من البيان لسحرا .

ومنها : من نزع يدا من طاعة .

ومنها : في حل الأزرار .

ومنها : تشقيق الكلام من الشيطان .

كلها عن النبي عليه السلام ، وكلها سمعها زيد بن أسلم من عبد الله بن عمر .

ولم يذكر في هذا الموضع من هذا الكتاب حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، عن النبي عليه السلام : خطب رجلان فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن من البيان لسحرا ، أو إن بعض البيان لسحرا .

وذكرناه في مراسيل زيد بن أسلم من هذا الكتاب ، لأن يحيى أرسله ، ولم يذكر فيه ابن عمر ، ولم يتابع يحيى على ذلك - والله أعلم - .




الخدمات العلمية