الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 212 ] حديث عاشر من البلاغات

مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال : يقال : لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق .

التالي السابق


وهذا لا يقال مثله من جهة الرأي ، ولا يكون إلا توقيفا ، وقد روي معناه مسندا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلذلك أدخلناه .

حدثنا خلف بن القاسم بن سهل قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الجعد ببغداد ، وعبد الله بن الصقر الهلالي قالا : حدثنا سريج بن يونس قال : حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه رأى رجلا يخرج من المسجد حين أذن المؤذن ، أو حين أخذ في أذانه ، فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو داود قال : حدثنا شريك عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه ، قال : كنا مع أبي هريرة فأذن المؤذن ، فخرج رجل بعد الأذان ، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نخرج حتى نصلي .

[ ص: 213 ] حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء قال : كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن ، فقام رجل من المسجد يمشي ، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد ، فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى .

حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال : حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال : حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري قال : حدثنا محمد بن أبي عمر المصري قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه ، قال : سمعت أبا هريرة - ورأى رجلا يجتاز في المسجد ، ويخرج بعد الأذان - فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل ، وكان على طهارة ، وكذلك إذا كان قد صلى ، وحده إلا لما لا يعاد من الصلوات على ما ذكرنا من مذاهب العلماء في ذلك ، عند ذكر حديث زيد بن أسلم عن بسر بن محجن فإذا كان ما ذكرنا ، فلا يحل له الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء ، وينوي الرجوع .

[ ص: 214 ] واختلفوا فيمن صلى في جماعة ، ثم أذن المؤذن ، وهو في المسجد لتلك الصلاة على ما قدمنا ذكره عنهم في باب زيد بن أسلم ، والحمد لله .

وقد كره جماعة من العلماء خروج الرجل من المسجد بعد الأذان إلا للوضوء لتلك الصلاة بنية الرجوع إليها ، وسواء صلى وحده ، أو في جماعة ، أو جماعات ، وكذلك كرهوا قعوده في المسجد ، والناس يصلون لئلا يتشبه بمن ليس على دين الإسلام ، وسواء صلى أو لم يصل ، والذي عليه مذهب مالك أنه لا بأس بخروجه من المسجد إذا كان قد صلى تلك الصلاة في جماعة ، وعلى ذلك أكثر القائلين بقوله ، إلا أنهم يكرهون قعوده مع المصلين بلا صلاة ، ويستحبون له الخروج ، والبعد عنهم على ما قد أوضحناه في باب زيد بن أسلم فلا وجه لإعادته ههنا .

قال مالك : دخل أعرابي المسجد ، وأذن المؤذن فقام يحل عقال ناقته ليخرج ، فنهاه سعيد بن المسيب فلم ينته ، فما سارت يسيرا حتى وقعت به ، فأصيب في جسده ، فقال سعيد : قد بلغنا أنه من خرج بين الأذان والإقامة لغير الوضوء فإنه يصاب .




الخدمات العلمية