الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 326 ] حديث حاد وثلاثون من البلاغات

مالك ، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من داع يدعو إلى هدى ، إلا كان له مثل أجر من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، وما من داع يدعو إلى ضلالة ، إلا كان عليه مثل أوزارهم لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا .

التالي السابق


وهذا الحديث يستند ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق شتى ، من حديث أبي هريرة ، وحديث جرير ، وحديث عمرو بن عوف ، وحذيفة وغيرهم .

حدثنا يونس بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرياني قال : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال : حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يزيد بن هارون [ ص: 327 ] قال : حدثنا سفيان بن حسين ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من سن سنة هدى فاتبع عليها ، كان له أجره ، أو مثل أجر من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئا ، ومن سن سنة ضلالة فاتبع عليها كان عليه ، وزرها ، ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا .

قال أبو عمر :

اختلف في سماع الحسن من أبي هريرة ، فأكثرهم لا يصححونه ; لأنه يدخل أحيانا بينه ، وبين أبي هريرة أبا رافع وغيره ، ومنهم من يصحح سماعه من أبي هريرة .

وقد روي عن الحسن أنه قال : حدثنا أبو هريرة ، ونحن إذ ذاك بالمدينة ، وقد سمع الحسن من عثمان ، وسعد بن أبي وقاص فغير نكير أن يسمع من أبي هريرة .

حدثنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا محمد بن فطيس ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه جرير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه ، وزرها [ ص: 328 ] ووزر من عمل بها من بعده ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا في حديث طويل ذكره .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي ، حدثنا علي بن زيد الفرائضي الحنيني ، عن كثير بن عبد الله يعني ابن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي ، كان له أجر من عمل بها ، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، عن محمد بن قيس ، عن مسلم بن صبيح قال : سمعت جرير بن عبد الله - وهو يخطب - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، فعليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا .

أخبرنا عبيد بن محمد بن عبيد ، حدثنا عبد الله بن مقرور ، حدثنا عيسى بن مسكين قال : حدثنا ابن سنجر ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا كثير المزني ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي ، فإن له من الأجر مثل أجر من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم [ ص: 329 ] ومن ابتدع بدعة لا يرضاها الله ، ورسوله ، فإن عليه مثل إثم من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئا .

وحدثنا عبيد ، حدثنا عبد الله ، حدثنا عيسى ، حدثنا ابن سنجر قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا مروان بن معاوية قال : حدثنا كثير بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال بن الحارث المزني : اعلم أنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت ، فذكر مثله إلى آخره .

قال أبو عمر :

حديث هذا الباب أبلغ شيء في فضائل تعليم العلم اليوم والدعاء إليه ، وإلى جميع سبل البر والخير ; لأن الميت منها كثير جدا ، ومثل هذا الحديث في المعنى ، قوله - صلى الله عليه وسلم : ينقطع عمل المرء بعده إلا من ثلاث : علم علمه فعمل به بعده ، وصدقة موقوفة يجري عليه أجرها ، وولد صالح يدعو له .

وقد جمعنا - والحمد لله - من فضائل العلم وأهله في صدر كتاب جامع بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته ، وحمله ، ما فيه شفاء ، واستغناء ، والحمد لله ، وعلى قدر فضل معلم الخير وأجره يكون ، وزر من علم الشر ، ودعا إلى الضلال ; لأنه يكون عليه وزر من تعلمه منه ، ودعا إليه ، وعمل به ، عصمنا الله برحمته .

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا عبيد الله بن حبابة البزار البغدادي ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد [ ص: 330 ] العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة قال : سمعت المنذر بن جرير يحدث عن أبيه ، قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار ، فجاءه قوم حفاة عراة ، مجتابي النمار ، عليهم العباء والصوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، قال : فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير لما رأى بهم من الفاقة ، فذكر الحديث بطوله ، وفي آخره ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة ، فعمل بها من بعده كان له أجرها ، ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، فعمل بها من بعده ، كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزرهم شيئا .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب ، حدثني أبي عبد الله بن جعفر الرقي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن زياد بن أبي مريم ، عن عبد الله بن مسعود في قول الله - عز وجل - : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) قال : ما قدمت من سنة صالحة يعمل بها من بعده ، فله أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، وما أخرت من سنة سيئة يعمل بها بعده ، فإن عليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا .




الخدمات العلمية