الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 424 ] حديث سادس وخمسون من البلاغات

مالك ، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بمنى : هذا المنحر ، وكل منى منحر ، وقال في العمرة : هذا المنحر ، وكل فجاج مكة ، وطرقها منحر .

التالي السابق


قال ابن وهب : منى كلها منحر إلى العقبة ، وما وراء العقبة فليس بمنحر ، ومكة في العمرة منحر فجاجها بين بيوتها ، وما قاربها ، وما تباعد من البيوت فليس بمنحر .

قد مضى في الباب قبل هذا كثير من أحاديث هذا الباب .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي ، قال : حدثنا عامر بن محمد القرمطي ، قال : حدثنا أبو مصعب الزبيري ، قال : حدثنا الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بدنة بالحربة ، وهو بمنى ، وقال : هذا المنحر ، وكل منى منحر .

قال أبو عمر :

المنحر في الحج بمنى إجماع من العلماء .

وأما العمرة فلا طريق لمنى فيها ، فمن أراد أن ينحر في عمرته ، وساق هديا يتطوع به ، نحره [ ص: 425 ] بمكة حيث شاء منها ، وهذا إجماع أيضا لا خلاف فيه يغني عن الإسناد والاستشهاد ، فمن فعل ذلك فقد أصاب السنة ، ومن لم يفعل ، ونحر في غيرهما ، فقد اختلف العلماء في ذلك : فذهب مالك إلى أن المنحر لا يجوز في الحج إلا بمنى ، ولا في العمرة إلا بمكة ، ومن نحر في غيرهما ، لم يجزه ، ومن نحر في الحج ، أو في العمرة في أحد الموضعين أجزأه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلهما موضعا للنحر ، وخصهما بذلك ، وقال الله - عز وجل - : ( هديا بالغ الكعبة ) فلابد من أن يبلغ به البيت ، ومنى من مكة .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : إن نحر في غير منى ، ومكة من الحرم أجزأه ، قالوا : وإنما لمكة ، ومنى اختصاص الفضيلة ، والمعني في ذلك الحرم ، لأن مكة ، ومنى حرم ، وقد أجمعوا أن من نحر في غير الحرم لم يجزه .

ومن أحسن طريق حديث هذا الباب ، ما حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الطيب ، وجيه بن الحسن بن يوسف ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة القاضي ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي [ ص: 426 ] ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌طالب ، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال : هذه عرفة ، وهذا الموقف ، وعرفة كلها موقف ، ثم أفاض حين غربت الشمس فأردف أسامة ، وجعل يسير على يمينه ، والناس يضربون يمينا ، وشمالا ، وهو يقول : يا أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، ثم أتى جمعا فصلى بها الصلاتين جمعا ، فلما أصبح أتى قزح ، فقال : هذا قزح ، وهذا الموقف ، وجمع كلها موقف ، ثم أفاض فلما انتهى إلى وادي محسر ، قرع ناقته حتى جاز الوادي ، ثم وقف ، وأردف الفضل ، ثم أتى الجمرة فرماها ، ثم أتى المنحر بمنى ، فقال : هذا المنحر ، ومنى كلها منحر ، فاستقبلته جارية من خثعم شابة ، فقالت : إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج ، أفيجزي أن أحج عنه ؟ فقال : حجي عن أبيك ، ولوى عنق الفضل ، فقال له العباس : يا رسول الله ، لويت عنق ابن عمك ؟ فقال : رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما .

فأتى رجل فقال : يا رسول الله ، إني ذبحت قبل أن أرمي ، قال : ارم ، ولا حرج ، ثم أتى البيت فطاف به ، ثم أتى زمزم فقال : يا بني عبد المطلب ، سقايتكم ، فلولا أن يغلبكم الناس عليها ، لنزعت منها
.

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن [ ص: 427 ] سعيد ، عن جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا جابر ، قال : قال : نبي الله - صلى الله عليه وسلم - منى كلها منحر .

قال أبو عمر :

هذا القول خرج على المنحر في الحج ; لأنه قاله في حجته - صلى الله عليه وسلم - .




الخدمات العلمية