الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1783 [ ص: 55 ] حديث ثان وثلاثون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث جميع الرواة عن مالك فيما علمت مرسلا .

وفيه أنه لا نبي بعده - صلى الله عليه وسلم - ، وهو تفسير قوله - عليه السلام - لا نبوة بعدي إلا ما شاء الله ، وهو حديث يروى من حديث المغيرة بن شعبة . فإن صح كان معنى الاستثناء فيه الرؤيا الصالحة على ما في هذا الحديث ، وما كان مثله ، وحسبك بقول الله - عز وجل - : ولكن رسول الله وخاتم النبيين ، وقوله - عليه السلام - : أنا العاقب الذي لا نبي بعدي .

[ ص: 56 ] وحديث عطاء بن يسار المذكور في هذا الباب يتصل معناه من وجوه ثابتة من حديث ابن عباس وحذيفة وابن عمر ، وعائشة ، وأم كرز الخزاعية :

حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال : حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال : حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة في مرضه ، والناس صفوف خلف أبي بكر فقال : أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، ثم قال : ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا فأما [ ص: 57 ] الركوع ، فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم .

هكذا رواه الحميدي وابن أبي شيبة وغيرهما عن ابن عيينة سواء .

وفي حديث مالك يراها الرجل الصالح أو ترى له فظاهره أن لا تكون الرؤيا من النبوة جزءا من ستة وأربعين إلا على ذلك الشرط للرجل الصالح أو منه .

وفي حديث ابن عباس يراها المسلم ، ولم يقل صالحا ، ولا طالحا ، وفي بعض ألفاظه يراها العبد ، وهذا أوسع - أيضا - .

وقوله في حديث مالك : " أو ترى له " ، عمومه من الصالح ، وغيره . - والله أعلم - .

وقد تقدم القول في الرؤيا في باب إسحاق بن أبي طلحة من كتابنا هذا فأغنى ، عن إعادته ههنا .

حدثني سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الترمذي محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه ، عن سباع بن ثابت عن أم كرز الكعبية ، قالت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ذهبت النبوة ، وبقيت المبشرات .

[ ص: 58 ] قال أبو عمر :

أحاديث هذا الباب كلها صحاح ثابتة في معنى حديث مالك ، وقد روى عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأويل قول الله - عز وجل - لهم البشرى في الحياة الدنيا حديثا يدخل في معنى هذا الباب قرأته على أبي عثمان سعيد بن نصر وأبي القاسم عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عمرو - يعني ابن دينار - ، عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن قول الله - عز وجل - الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها غيرك إلا رجل واحد ، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فقال : ما سألني عنها أحد منذ نزلت غيرك هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .

قال سفيان : ثم لقيت عبد [ ص: 59 ] العزيز بن رفيع فحدثنيه عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال سفيان : ثم لقيت محمد بن المنكدر فحدثنيه عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

هذا حديث حسن في التفسير المرفوع صحيح من نقل أهل المدينة .

وقد رواه الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء ، فذكره سواء .

هكذا رواه أبو معاوية وعلي بن مسهر ووكيع بن الجراح عن الأعمش ، وروي من حديث جابر بن عبد الله وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وطلحة بن عبيد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث أبي الدرداء هذا ، وعلى ذلك أكثر أهل التفسير في معنى هذه الآية ، وهو أولى ما اعتقده العالم في تأويل قول الله - عز وجل - : " لهم البشرى في الحياة الدنيا " .

وروي عن الحسن والزهري وقتادة أنها البشارة عند الموت ، ولا خلاف بينهم أن قوله في الآخرة : الجنة .




الخدمات العلمية