الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1056 [ ص: 136 ] حديث ثامن وثلاثون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا من الأنصار من بني حارثة كان يرعى لقحة بأحد فأصابها الموت فذكاها بشظاظ فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : ليس بها بأس فكلوها .

التالي السابق


هكذا رواه جماعة رواة الموطإ مرسلا ، ومعناه متصل من وجوه ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أعلم أحدا أسنده عن زيد بن أسلم إلا جرير بن حازم عن أيوب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري .

[ ص: 137 ] ذكره البزار قال : حدثنا محمد بن معمر قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا جرير بن حازم عن أيوب ، وذكره أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا جرير بن حازم قال : حدثنا أيوب عن زيد بن أسلم فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : كانت لرجل من الأنصار ناقة ترعى في قبل أحد فنحرها بوتد ، فقلت لزيد : وتد من حديد ، أو خشب ؟ قال : لا بل من خشب ، وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فأمره بأكلها .

[ ص: 138 ] قال أبو عمر :

واللقحة الناقة ذات اللبن ، وقد تقدم تفسير ذلك فيما سلف من كتابنا هذا ، والشظاظ العود الحديد الطرف ، كذا قال أهل اللغة ، وقال يعقوب بن جعفر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار في هذا الحديث : فأخذها الموت فلم يجد شيئا ينحرها به فأخذ وتدا فوجأ به في لبتها حتى أهراق دمها ، ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك فأمره بأكلها . فعلى هذا الحديث الشظاظ الوتد ، ( وذلك كله معنى متقارب ) ، وقال ابن حبيب : الشظاظ هو العود الذي يجمع به بين عروتي الغرارتين على ظهر الدابة ، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت (

بحال العروتين من الشظاظ

) .

قال أبو عمر : وقال عنترة :


إذا ضربوها ساعة بدمائها وحل عن الكوماء عقد شظاظها



[ ص: 139 ] قال الخليل : الظررة ، والظرر : حجر له حد ، قال والشظاظ خشبة عقفاء محدودة الطرف ، والليط قشر القصب ، والتذكية بالشظاظ إنما تكون فيما ينحر لا فيما يذبح ، والناقة الشأن فيها النحر ، وهو ذكاتها ، والشظاظ لا يمكن به الذبح ; لأنه كطرف السنان ، وقد يمكن الذبح بفلقة العود ; لأن لها جانبا رقيقا ، وذلك يسمى الشطير ، وفلقة الحجر الرقيقة التي يمكن الذكاة بها تسمى الظرر ، وهذان يذبح بهما ، ولا يمكن النحر بهما .

وأما القصبة فيمكن بها الذبح والنحر ، وفلقة القصبة تسمى الليطة ، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : ما ذبح بالليطة ، والشطير ، والظرر فحل ذكي .

قال أبو عمر :

وفي هذا الحديث إباحة تذكية ما نزل به الموت من الحيوان المباح أكله كانت البهيمة في حال ترجى حياتها ، أو لا ترجى إذا كانت حية في وقت الذكاة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل مذكيها عن حالها ، ولم ينكر عليه بل قال : ليس بها بأس فكلوها ، وقد قيل له أصابها الموت فعلى ظاهر هذا الحديث إذا سلم موضع الذكاة من الآفة ، وكانت الحياة موجودة في المذكى جاز تذكيته .

[ ص: 140 ] أخبرني خلف بن القاسم قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا المفضل بن محمد قال : حدثنا علي بن زياد قال : حدثنا أبو قرة قال : سألت مالكا عن المتردية ، والمفروسة تدرك ذكاتها وهي تتحرك ؟ قال : لا بأس إذا لم يكن قطع رأسها أو نثر بطنها قال : وسمعت مالكا يقول : إذا غير ما بين المنحر إلى المذبح لم تؤكل .

واختلف العلماء في قول الله - عز وجل - : والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم فقال قوم : هذا الاستثناء راجع على كل ما أدرك ذكاته مما ينخنق ، ويوقذ ، ويتردى ، وينطح ، وأكيلة السبع فمتى أدرك شيئا من هذه المذكورات وفيه حياة كانت الذكاة عاملة فيه ; لأن حق الاستثناء أن يكون مصروفا إلى ما تقدم من الكلام ، ولا يجعل منقطعا إلا بدليل يجب التسليم له .

وممن روي عنه هذا المعنى علي بن أبي طالب وأبو هريرة وابن عباس ، وجماعة من التابعين ، ومن فقهاء المسلمين روى ابن عيينة وشريك وجرير عن الركين بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال : سألت ابن عباس عن ذئب عدا على [ ص: 141 ] شاة فشق بطنها حتى انتثر قصبها ، فأدركت ذكاتها ، فذكيتها ، فقال : كل ، وما انتثر من قصبها فلا تأكل ، وروى حماد بن سلمة عن قتادة وحميد عن الحسن أنه قال فيما أكل السبع : إذا كانت تطرف بعينها ، أو تركض برجلها ، أو تمصع بذنبها فذك وكل .

وذكر ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن أشعث عن الحسن في قوله : إلا ما ذكيتم ، قال الحسن : أي هذه الخمس أدركت ذكاته فكل ، فقلت : يا أبا سعيد كيف أعرف ذلك ؟ قال : إذا طرفت بعينها ، أو ضربت برجلها ، وعن قتادة والضحاك بن مزاحم مثل ذلك ، وإلى هذا ذهب ابن حبيب ، وذكره ، عن أصحاب مالك عنه ، قال ابن حبيب : إذا كانت الذبيحة تطرف فهي ذكية ، ولو طرفت بأحد أطرافها بعين ، أو رجل ، أو ذنب ، أو يد مع مجرى النفس فهي ذكية ، قال : وهكذا فسره لي أصحاب مالك عنه ، وذكر ابن عبد الحكم عن مالك نحوه .

وقال الليث بن سعد إذا كانت حية ، وقد أخرج السبع جوفها اختلفا إلا ما بان منها وهو قول ابن وهب ، والأشهر [ ص: 142 ] من مذهب الشافعي ، وقد تقدم هذا من قول ابن عباس ، وقال المزني : عن الشافعي في السبع إذا شق بطن شاة ، واستيقن أنها تموت إن لم تذك فذكيت فلا بأس بأكلها ، قال المزني : وأحفظ له قولا آخر أنها لا تؤكل إذا بلغ منها السبع ، أو التردي إلى ما لا حياة معه ، قال المزني : وهو قول المدنيين ، قال : وهو عندي أقيس على أصل الشافعي ; لأن قوله : في صيد البر : إذا لم يبلغ منه السلاح مبلغ الذبح ، وأمكنت ذكاته فلم يذكه أنه لا يأكله . قال : وفي هذا دليل أنه لو بلغ ما يبلغ الذبح أكله ، قال المزني : ودليل آخر من قوله أيضا ، قال في كتاب الدماء : لو قطع حلقوم رجل ، ومريئه ، أو قطع حشوته فأبانها من جوفه ، أو صيره في حال المذبوح ، ثم ضرب آخر عنقه ، فالأول قاتل دون الآخر ، قال : ففي هذا من قوله دلالة على ما وصفت لك أنه أصح في القياس من قوله الآخر .

قال أبو عمر :

أكثر أصحاب الشافعي على قوله الآخر على خلاف ما اختار المزني ، واحتج منهم أبو القاسم القزويني بقول الله - تعالى - بعد ذكر المنخنقة ، وما ذكر معها إلى قوله : [ ص: 143 ] إلا ما ذكيتم قال : فمعنى الآية أكل المنخنقة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع إذا ذكي ، وفيه الحياة ، كان التردي ، وأكل السبع بلغ منها ما فيه البقاء ، أو ما لا بقاء معه إذا كان فيها من الحياة ما يعلم به أنها لم تمت ، قال : والزاعم أن المتردية ، وما أكل السبع وفيها الحياة إذا ذكيت تؤكل في حال دون حال مدع على الكتاب ما لم يأت به الكتاب .

قال أبو عمر :

وهذا أيضا مذهب أبي حنيفة في هذه الآية ، وفي كل ما تدرك ذكاته وفيه الحياة ما كانت الحياة فإنه ذكي ، ومتى ذكيت ، وأدركت قبل أن تموت أكلت عنده ، قال الطحاوي : وروي عن أبي يوسف في الإملاء : إذا بلغ بها ذلك حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل ، قال وذكر ابن سماعة عن محمد أنه قال : إذا بلغ بها ذلك حالا لا تعيش معه اليوم ، ونحوه ، والساعتين ، والثلاث ، ونحوها فذكاها حلت ، وإن كانت لا تبقى إلا بقاء المذبوح لم تؤكل وإن ذبحت ، قال واحتج محمد [ ص: 144 ] بن الحسن بأن عمر بن الخطاب كانت جراحاته متلفة ، وصحت عهوده ، وأوامره ، ولو قتله قاتل كان عليه القود ، وإلى هذا ذهب الطحاوي ، وزعم أنهم لم يختلفوا في الأنعام إذا أصابتها الأمراض المتلفة التي قد تعيش معها مدة قصيرة ، أو طويلة أنها تذكى ، وأنها لو صارت في حال النزوع ، والاضطراب للموت أنه لا ذكاة فيها فكذاك القياس ينبغي أن يكون حكم المتردية ، ونحوها ، وقال الأوزاعي : إذا كان فيها حياة فذبحت أكلت .

قال أبو عمر :

وذهب قوم من العلماء إلى أن الاستثناء في قوله : - عز وجل - إلا ما ذكيتم منقطع مما قبله ، غير عائد على شيء من المذكورات ، قالوا : وذلك مشهور من كلام العرب يجعلون إلا بمعنى لكن ، ومن ذلك قول الله - عز وجل - : " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " يريد وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ألبتة ، ثم قال : إلا خطأ أي لكن إن قتله خطأ فالاستثناء ههنا ليس من الأول ، وهذا مذهب الخليل وسيبويه والفراء كلهم يجعلون إلا ( ههنا ) بمعنى لكن ، وأنشد بعضهم لأبي خراش :

[ ص: 145 ]

أمسى سقام خلاء لا أنيس به إلا السباع ومر الريح بالغرف



أراد إلا أن يكون به السباع ، أو لكن به السباع ، وطرد الريح ، وسقام ، واد لهذيل .

ومثل هذا أيضا قول الشاعر :


وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس



أراد : لكن بها اليعافير ، وبها العيس ، وليس بها أنيس مع هذا .

وقال متمم بن نويرة :


وبعض الرجال نخلة لا جنى لها ، ولا ظل إلا أن تعد من النخل



يريد لكن تعد من النخل .

وقد يكون قوله : لا أنيس به إلا السباع ، وليس بها أنيس ، ولا اليعافير ، ولا السباع فتكون إلا بمعنى الواو كما قيل في قول الله - عز وجل - لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا أي ، ولا الذين ظلموا .

وكما قال الشاعر :


ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروان



[ ص: 146 ] أي إلا دار الخليفة ، ودار مروان هذا كله قد قيل كما وصفنا في معنى ما ذكرنا ، وحقيقة " إلا " أن تحمل على صريح الاستثناء إما متصلا ردا للأول على الآخر مخرجا له من جملته ; وإما منقطعا قد فصل الأول من الآخر كما قال النابغة :


وما بالربع من أحد إلا الأ واري لأيا ما أبينها



ومن هذا الباب - أيضا - وهو كثير جدا ، ومن أبدعه قول جرير :


من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ على الأرض إلا ذيل برد مرجل



فكأنه ، قال : لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد ، والترجيل ، وشي في حاشية البرد .

وقد قيل في معنى قوله : - عز وجل - إلا الذين ظلموا منهم أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحاجونكم ، وقيل : إلا على الذين ظلموا فعلى هذا يكون معنى الآية أن الله - عز وجل - حرم الميتة والدم ، ولحم الخنزير ، والميتة ههنا التي تموت حتف أنفها ، وحرم التي تموت منخنقة ، [ ص: 147 ] وموقوذة ، ومتردية ، ومنطوحة ، وأكيلة السبع ، فعم بهذا أجناس الميتة التي كانوا يأكلون ، وأحل لهم ما ذكوا من بهيمة الأنعام فكأنه قال بعد أن ذكر ما حرم من الميتات ، ولحم الخنزير : لكن ما ذكيتم وذبحتم من بهيمة الأنعام فحل لكم . هذا معنى قوله عندهم ، وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق القاضي ، وجماعة المالكيين البغداديين ، وهو أحد قولي الشافعي ، ويروى نحو هذا المذهب عن زيد بن ثابت ذكره مالك في موطئه ، وذكر حماد بن سلمة عن يوسف بن سعد عن يزيد مولى عقيل بن أبي طالب قال : كانت لي عناق كريمة فكرهت أن أذبحها فلم ألبث أن تردت ، فأمررت الشفرة على أوداجها فركضت برجلها ، فسألت زيد بن ثابت فقال : إن الميت ليتحرك بعد موته فلا تأكلها .

قال أبو عمر :

يزيد مولى عقيل هذا ، هو أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب ، وهذا الخبر قد رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن [ ص: 148 ] أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب بمعنى واحد ، وألفاظ مختلفة ، ولا أعلم أحدا من الصحابة روى عنه مثل قول زيد بن ثابت هذا ، - والله أعلم - .

وقد خالفه أبو هريرة وابن عباس ، وعلى قولهما أكثر الناس ، وقال محمد بن مسلمة : إذا قطع السبع حلقوم الشاة ، أو قسم صلبها ، أو شق بطنها فأخرج معاها ، أو قطع عنقها لم تذك ، وفي سائر ذلك كله تذكى إذا كان فيها حياة ، وقال غيره من أصحابنا : تذكى التي شق بطنها ، نحو قول ابن حبيب ، واختلف أصحاب داود في هذا الاستثناء أيضا على قولين ، فذهب منهم قوم أنه منقطع كما وصفنا ، وذهب منهم آخرون إلى أن الاستثناء متصل بما قبله عائد عليه مخرج لجملة ما ذكي من المذكورات إذا كانت فيه حياة من جملة المحرمات في الآية ، وما ذهب إليه إسماعيل في ذكر المتردية ، وما ذكر معها يروى عن قتادة ، وعن الضحاك بن مزاحم إلا أنهما قالا بتذكية ما أدركت فيه حياة من ذلك : روى سعيد بن أبي عروبة ومعمر عن قتادة في قول الله - عز وجل - : حرمت عليكم الميتة الآية ، قال : كان أهل [ ص: 149 ] الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها ، والموقوذة كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها ، والمتردية كانت تتردى في البئر فتموت فيأكلونها ، والنطيحة كبشان يتناطحان فيموت أحدهما فيأكلونه ، وما أكل السبع كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع شيئا من هذا ، أو أكل منه أكلوا ما بقي فقال الله - تعالى - : إلا ما ذكيتم ، فكل ما ذكر الله ههنا ما خلا الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف ، أو ذنبا يتحرك ، أو قائمة تركض فذكيته فقد أحل الله لك ذلك ، وعن الضحاك بن مزاحم مثل قول قتادة هذا كله سواء .

قال الضحاك : فإن لم تطرف له عين ، ولم تتحرك له قائمة ، ولا ذنب فهي ميتة ، وروى الشعبي عن الحارث عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وهي تحرك يدا ، أو رجلا فكلها ، وهو قول الشعبي وإبراهيم وعطاء وطاوس ، ولم يصرح إسماعيل برد هذا ، ونكب عنه .

[ ص: 150 ] قال أبو عمر :

قول علي وابن عباس وأبي هريرة ، والتابعين الذين ذكرنا قولهم ، ومن تابعهم من فقهاء الأمصار أولى ما قيل به في هذا الباب ، وهو ظاهر الكتاب ( وفي المستخرجة لمالك وابن القاسم أن ما فيه الحياة ، وإن كان لا يعيش ، ولا يرجى له بالعيش يذكى ، ويؤكل .

أخبرنا أحمد بن محمد وعبيد بن محمد قالا : حدثنا الحسن بن سلمة قال : حدثنا ابن الجارود قال : حدثنا إسحاق بن منصور قال : سمعت إسحاق بن راهويه قال : وأما الشاة يعدو عليها الذئب ، ويخرج المصارين حتى يعلم أنه لا يعيش مثلها فإن السنة في ذلك ما وصف ابن عباس ; لأنه وإن خرجت مصارينها فإنها حية بعد ، وموضع الذكاة منها سالم ; وإنما ينظر عند الذبح أحية هي أم ميتة ، ولا ينظر إلى هل يعيش مثلها ، وكذلك المريضة التي لا يشك أنه مرض موت جائز ذكاتها إذا أدركت فيها حياة ، وما دام الروح فيها فله أن يذكيها ، قال إسحاق : ومن قال خلاف هذا فقد خالف السنة من جمهور الصحابة ، وعامة العلماء .

قال أبو عمر :

يعضد ذلك حديث زيد بن أسلم المذكور فيه : فأصابها الموت ، وبالله التوفيق .

[ ص: 151 ] وهو حديث حسن أخرجه أبو داود ، وغيره .

وفيه أيضا من الفقه أن كل ما أنهر الدم ، وفرى الأوداج فهو من آلات الذكاة ، وجائز أن يذكى به ما خلا السن ، والعظم ، وعلى هذا تواترت الآثار ، وقال به فقهاء الأمصار على ما نبينه - إن شاء الله تعالى - : أخبرني سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صيفي قال : ذبحت أرنبين بمروة فأتيت بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني بأكلهما . كذا قال أبو الأحوص : وقال حماد بن سلمة وعبد الواحد بن زياد عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد [ ص: 152 ] اصطدت أرنبين فذبحتهما بمروة ، وذكر الحديث .

وقال حماد بن سلمة - أيضا - عن داود عن الشعبي عن صفوان بن محمد ، ولم يشك .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : أخبرنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله ، أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا ، وليس معه سكين أيذبح بالمروة ، وشق العصا فقال : أنزل الدم بما شئت ، واذكر اسم الله ، والمروة فلقة الحجرة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قال : حدثنا أبو الأحوص قال : حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع عن أبيه ، عن جده [ ص: 153 ] رافع بن خديج قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إنا نلقى العدو غدا ، وليس معنا مدى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سن ، أو ظفر ، وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة ، وذكر الحديث . فإذا جازت التذكية بغير الحديد جازت بكل شيء إلا أن يجتمع على شيء فيكون مخصوصا ، وعلى هذا مذهب مالك ، وأصحابه وأبي حنيفة ، وأصحابه والشافعي ، وأصحابه ، والسن ، والظفر المنهي عن التذكية بهما عندهم ( هما ) غير المنزوعين ; لأن ذلك يصير خنقا ، وكذلك ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : ذلك الخنق فأما السن ، والظفر المنزوعان إذا فريا الأوداج فجائز الذكاة بهما عندهم ، وقد كره قوم السن ، والظفر ، والعظم على كل حال منزوعة ، وغير منزوعة منهم إبراهيم والحسن بن حي والليث بن سعد وروي ذلك - أيضا - عن الشافعي ، وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج المذكور في هذا الباب ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية