الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1160 مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول : شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ، ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله هذا حديث مسند عندهم لقول أبي هريرة : قد عصى الله ورسوله

التالي السابق


وهو مثل حديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .

ولا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان ، وقد روى هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم روح بن القاسم عن مالك [ ص: 176 ] حدثنا ابن قاسم حدثنا إسحاق بن داود الصواف حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا عبد الله بن زريع حدثنا روح بن القاسم حدثني مالك عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شر الطعام طعام الوليمة : يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وتابع روح بن القاسم عن مالك على ذلك إسماعيل بن مسلمة بن قعنب . أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر النيسابوري ، حدثنا مالك بن سيف التجيبي ، حدثنا إسماعيل بن مسلمة ، حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : شر الطعام طعام الوليمة : يدعى إليها الأغنياء ويمنع الفقراء ، ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 177 ] قال أبو الحسن : قال لنا أبو بكر النيسابوري : هذا عند جمهور رواة الموطأ من كلام أبي هريرة .

قال أبو عمر : ورواه معمر عن الزهري عن ابن المسيب والأعرج ، جميعا عن أبي هريرة قال : شر الطعام طعام الوليمة يدعى الغني ويمنع المسكين ، وهي حق من تركها فقد عصى . ذكره عبد الرزاق عن معمر بهذا الإسناد وهذا اللفظ من قول أبي هريرة .

قال عبد الرزاق : وربما قال معمر في هذا الحديث : ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله . ورواه الأوزاعي عن الزهري بمثل إسناد مالك ولفظه سواء .

ورواه ابن جريج عن ابن شهاب فجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم : حدثني يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال : حدثنا أبو معمر قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا عبد الملك بن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس الطعام الوليمة يدعى له الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وقد روي عن ابن عيينة مرفوعا أيضا .

[ ص: 178 ] فأما قوله : شر الطعام طعام الوليمة . فلم يرد ذم الطعام في ذاته وحاله ، وإنما ذم الفعل الذي هو الدعاء للأغنياء إليه دون الفقراء ، فإلى فاعل ذلك توجه الذم لا إلى الطعام ، والله أعلم .

وقد مضى القول في وجوب إتيان الدعوة في باب إسحاق ، ومضى هناك من الآثار في ذلك ما فيه كفاية .

واختلف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات إلى الطعام فقال مالك والثوري : يجب إجابة وليمة العرس ، ولا يجب غيرها . وقال الشافعي : إجابة وليمة العرس واجبة ، ولا أرخص في ترك غيرها من الدعوات التي يقع عليها اسم الوليمة كالإملاك والنفاس والختان وحادث سرور ، ومن تركها لم يتبين لي أنه عاص كما تبين في وليمة العرس وقال عبيد الله بن القاضي البصري : إجابة كل دعوة اتخذها صاحبها للمدعو فيها طعاما واجبة . وقال الطحاوي : لم نجد عن أصحابنا - يعني أبا حنفية وأصحابه - في ذلك شيئا إلا في إجابة وليمة العرس خاصة ، والله أعلم .

قال أبو عمر : وقد قال صاحب العين : الوليمة : طعام العرس ، وقد أولم ، أي : أطعم . وروي عن الحسن قال : دعي عثمان بن أبي العاصي إلى ختان فأبى أن يجيب . قال : وقد كنا على [ ص: 179 ] عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نأتي الختان ولا ندعى له ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف : أولم ولو بشاة . قال : إذا دعيتم فأجيبوا وإذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائما دعا وإن كان مفطرا أكل وقال صلى الله عليه وسلم : من دعي إلى وليمة فليأتها ولا ( أعلم ( خلافا في وجوب إتيان الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها منكر ولهو .

وفي قوله في هذا الحديث : فقد عصى الله ورسوله ، ما يرفع الإشكال ويغني عن الإكثار .

وأما غير الوليمة من الطعام المدعو إليه فمن أوجب الإجابة إليه من أهل العلم ، فحجته ظاهر الآثار التي أوردناها في باب إسحاق ( بن أبي طلحة ، ومن أبى حق ذلك ذهب إلى أن المراد بها وليمة العرس ، وفي باب إسحاق ( بيان ما اخترنا من ذلك . وهذا إذا لم يكن هناك من المنكر واللهو ما يمنع من الإجابة .

[ ص: 180 ] وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى أيضا فقال مالك إن اللهو الخفيف مثل الدف والكبر فلا يرجع فإني أراه خفيفا . وقاله ابن القاسم وقال أصبغ : أرى أن يرجع . قال : وقد أخبرني ابن وهب عن مالك أنه قال : لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعا فيه لعب . وقال الشافعي : إذا كان في وليمة العرس مسكر أو خمر أو ما أشبهه من المعاصي الظاهرة - نهاهم ، فإن نحوا ذلك وإلا لم أحب له أن يجلس ، وإن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب . قال : وضرب الدف في العرس لا بأس به ، وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو حنيفة : إذا حضر الوليمة فوجد فيها لعبا فلا بأس أن يقعد ويأكل . وقال هشام الداري عن محمد بن الحسن : إن كان الرجل ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج . وقال الليث بن سعد : إن كان ( فيها ( الضرب بالعود واللهو فلا يشهدها .

قال أبو عمر : الأصل في هذا الباب ما حدثناه سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال : حدثنا عفان قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : [ ص: 181 ] أخبرنا سعيد بن جمهان قال : حدثنا سفينة أبو عبد الرحمن أن رجلا أضافه علي بن أبي طالب فصنع له طعاما فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فدعوه فجاءه فوضع يده على عضادتي الباب ، فرأى قراما في ناحية البيت فرجع ، فقالت فاطمة لعلي : ألحقه . فقال له : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوقا كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره دخول بيت فيه تصاوير ، ولتقدم نهيه .

وقوله : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو تماثيل ، وكذلك كل منكر إذا كان في البيت فلا ينبغي دخوله - والله أعلم - لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام دعي إليه لما رأى في البيت مما ينكره وما تقدم نهيه عنه [ ص: 182 ] قال أهل اللغة : طعام الوليمة هو طعام العرس والإملاك خاصة . قالوا : ويقال للطعام الذي يصنع للنفساء : الخرس والخرسة ، وللطعام الذي يصنع عند الختان : الإعذار ، وللطعام الذي يصنع للقادم من سفر : النقيعة ، وللطعام الذي يعمل عند بناء الدار : الوكيرة وأنشد ثعلب لبعض العرب :


كل طعام تشتهي ربيعة الخرس والإعذار والنقيعة

وقال ثعلب : والمأدبة : كل ما دعي إليه من الطعام ، قال : ويقال : طعام أكل على ضفف : إذا كثرت عليه الأيدي وكان قليلا .




الخدمات العلمية