الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
625 [ ص: 74 ] حديث سادس عشر لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب ، حمل على فرس في سبيل الله ، فوجده يباع فأراد أن يبتاعه ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : لا تبتعه ولا تعد في صدقتك .

التالي السابق


هكذا روى مالك ، هذا الحديث عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر ، فهو في روايته من مسند ابن عمر ، كذلك هو عند جمهور رواة الموطأ ، إلا معن بن عيسى ، فإنه رواه عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، أنه حمل على فرس - فذكر الحديث جعله من مسند عمر ، وكذلك رواه ابن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مثل رواية [ ص: 75 ] معن ; ورواه القطان ، وعلي بن عاصم ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر كما في الموطآت ; وكذلك رواه الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن عمر ، كما في الموطأ عند جمهور الرواة غير معن . وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، فقال فيه لا تشتره ولا شيئا من نتاجه ، ولا تعد في صدقتك .

وذكر مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه : إذا بلغت وادي القرى فشأنك به وعن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يقول : إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فبلغ به رأس مغزاته فهو له ، واختلف الفقهاء في هذا المعنى ، فكان مالك يقول : إذا أعطي فرسا في سبيل الله ، فقيل له هو لك في سبيل الله ، فله أن يبيعه ، وإن قيل له هو في سبيل الله ركبه ورده ; وذكر ابن القاسم عن مالك قال : وقال مالك : من حمل [ ص: 76 ] على فرس في سبيل الله ، له فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله ، إلا أن يقال له شأنك به فافعل فيه ما أردت ; فإن قيل له ذلك ، فأراه مالا من ماله ، يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل به في ماله ; قال كذلك لو أعطي ذهبا أو ورقا في سبيل الله ، ومذهب مالك فيمن أعطي مالا ينفقه في سبيل الله ، أنه ينفقه في الغزو ; فإن فضلت منه فضلة بعد ما مر غزوه ، لم يأخذها لنفسه وأعطاه في سبيل الله ، أو ردها إلى صاحبها ; وخالف في ذلك ما روي عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وقال الليث بن سعد : من أعطي فرسا في سبيل الله ، لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ، ثم يصنع به ما شاء ، إلا أن يكون حبسا فلا يباع .

وقال الشافعي : الفرس المحمول عليها في سبيل الله ، هي لمن يحمل عليها . وقال عبيد الله بن الحسن : إذا قال هو لك في سبيل الله ، فرجع به ، رده حتى يجعله في سبيل الله ; ومذهب أصحاب أبي حنيفة أن ما أعطي في سبيل الله تمليك ، ولا يعتبرون في الفرس بلوغ المغزى ، [ ص: 77 ] لأنه قد ملكه في الحال على أن يغزو به ; فالملك عندهم في ذلك صحيح ، يتصرف فيه مالكه ، وهو قول الشافعي ; قالوا : ولو قال إذا بلغت مغزاك فهو لك ، كان تمليكا على مخاطرة ولا يجوز ; وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، بأتم وأبسط من ذكره هاهنا .

وأما قوله فسأل عن ذلك - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففيه دليل على ما كانوا عليه من البحث عن العلم والسؤال عنه ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلما ، وكانوا يسألونه ; لأنهم كانوا خير أمة - كما قال الله عز وجل . فالواجب على المسلم ، مجالسة العلماء إذا أمكنه ، والسؤال عن دينه جهده ، فإنه لا عذر له في جهل ما لا يسعه جهله ; وجملة القول : أن لا سؤدد ولا خير مع الجهل .




الخدمات العلمية