الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
398 [ ص: 182 ] [ ص: 183 ] حديث ثان لنعيم المجمر

مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري ، أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال : أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم .

[ ص: 184 ]

التالي السابق


[ ص: 184 ] قال أبو عمر : محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري هو الذي أري أبوه النداء فصار سنة ، وأبو مسعود الأنصاري اسمه عقبة بن عمرو ، وبشير بن سعد هو والد النعمان بن بشير ، وقد ذكرنا كل واحد منهم في كتابنا في الصحابة بما يغني من ذكره ، والحمد لله .

حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز ، قال : حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ، قال : حدثني زياد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن زيد ، عن أبي مسعود الأنصاري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث مالك ، وقد روى مثل حديثه هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة ، منهم : أبو سعيد الخدري وغيره .

حدثنا أحمد بن فتح ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد ، قالا : أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة [ ص: 185 ] بن سعيد ، قال : حدثنا بكر بن مضر ، عن ابن الهادي ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا : يا رسول الله ، السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم .

ورواه شعبة والثوري عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : لما نزلت ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله ، هذا السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟ فقال : قل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .

هذا لفظ حديث الثوري ، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ، ويبين معنى قول الله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) فبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة عليه ، وعلمهم في التحيات كيف السلام [ ص: 186 ] عليه - وهو قوله في التحيات : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وهذا معنى قوله في حديث مالك : والسلام كما قد علمتم . ويشهد لذلك قول عبد الله بن عباس ، وابن عمر ، وابن مسعود : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية ، وقد قيل : إن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة ، والقول الأول أكثر .

وقد اختلف العلماء في وجوب التشهد وفي ألفاظه ، وفي وجوب السلام من الصلاة ، وهل هو واحدة أو اثنتان ؟ ولست أعلم في الموطأ من حديث النبي عليه السلام موضعا أولى بذكر ذلك من هذا الموضع .

وأما التشهد فإن مالكا وأصحابه ذهبوا فيه إلى ما رواه في الموطأ عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول : قولوا : التحيات لله ، الزكيات لله ، الطيبات الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

[ ص: 187 ] وأما الشافعي فذهب في التشهد إلى حديث الليث ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير وطاوس ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، قال : إذا جلس أحدكم في الركعتين أو في الأربع فليقل : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . رواه الشافعي عن يحيى بن حسان أنه أخبره به عن الليث بإسناده ، ورواه عن أبي الزبير كما رواه الليث وجماعة .

وأما سفيان الثوري والكوفيون فذهبوا في التشهد إلى حديث ابن مسعود ، عن النبي عليه السلام ، وهو حديث كوفي رواه أئمة أهل الكوفة ، فممن رواه منصور والأعمش عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، ورواه إسحاق عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، ورواه القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن ابن مسعود بمعنى واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

[ ص: 188 ] وقد روي التشهد عن ابن عمر عن النبي عليه السلام ، وعن سمرة بن جندب عن النبي عليه السلام ، وعن أبي موسى عن النبي عليه السلام ، وعن جابر بن سمرة عن النبي عليه السلام ، وفي بعض ألفاظها اختلاف وزيادة كلمة ونقصان أخرى ، وذلك كله متقارب المعنى ، وفيها كلها : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، ومنهم من يقول فيه : وبركاته ، ومنهم من لا يذكر ذلك ، ومنهم من لا يزيد على قوله : السلام عليك أيها النبي ، فهذا وجه في معنى قوله : والسلام كما قد علمتم . والوجه الآخر كهيئة السلام من الصلاة ، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة ، من حديث سعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وأنس بن مالك ، وكلها معلولة الأسانيد لا يثبتها أهل العلم بالحديث .

وأما حديث سعد ، فإن الدراوردي رواه عن مصعب بن ثابت ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد ، عن محمد ، عن أبيه سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة فأخطأ فيه خطأ لم يتابعه أحد عليه ، وأنكروه عليه وصرحوا بخطئه فيه ; لأن كل من رواه عن مصعب بن ثابت بإسناده المذكور قال فيه : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم من الصلاة تسليمتين .

[ ص: 189 ] وأما حديث عائشة ، فانفرد به زهير بن محمد ، لم يروه مرفوعا غيره ، وهو ضعيف لا يحتج بما ينفرد به .

وأما حديث أنس فإنما روي عن أيوب السختياني عن أنس ، ولم يسمع أيوب من أنس ولا رآه ، قال أبو بكر البزار وغيره : لا يصح عن النبي عليه السلام في التسليمة الواحدة شيء ، يعني : من جهة الإسناد .

قال أبو عمر : لم يخرج البخاري في التسليم من الصلاة شيئا لا في الواحدة ولا في الاثنتين ، ولا خرج أبو داود السجستاني ولا أبو عبد الرحمن النسائي في التسليمة الواحدة شيئا ، وخرج أكثر المصنفين في السنن حديث التسليمتين ، فمن ذلك حديث ابن مسعود ، رواه أبو الأحوص ، وعلقمة ، والأسود ، عن ابن مسعود : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله . حتى يرى بياض خده . وكذلك حديث سعد المذكور الصحيح فيه التسليمتان بالإسناد المذكور .

وأما حديث ابن عمر في التسليمتين فحديث حسن ، من حديث محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر .

[ ص: 190 ] وروي في التسليمتين حديث جابر بن سمرة ، وحديث عمار وحديث سمرة بن جندب ، وحديث البراء بن عازب ، وليست بالقوية ، وروي عن طائفة من الصحابة وجماعة من التابعين : التسليمة الواحدة ، وروي عن جماعة من الصحابة أيضا والتابعين : التسليمتان ، والقول عندي في التسليمة الواحدة وفي التسليمتين : أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهو ولا الغلط في مثل ذلك ، معمول به عملا مستفيضا ، بالحجاز التسليمة الواحدة ، وبالعراق التسليمتان ، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل ; لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك ، ومثله لا ينسى ولا مدخل فيه للوهم ; لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات ، فصح أن ذلك من المباح والسعة والتخيير ، كالأذان وكالوضوء ثلاثا واثنتين وواحدة وكالاستجمار بحجرين وبثلاثة أحجار ، من فعل شيئا من ذلك فقد أحسن وحاد بوجه مباح من السنن ، فسبق إلى أهل المدينة من ذلك التسليمة الواحدة ، فتوارثوها وغلبت عليهم ، وسبق إلى أهل العراق وما وراءها التسليمتان ، فجروا عليها ، وكل جائز حسن لا يجوز أن يكون إلا توقيفا ممن يجب التسليم له في شرع الدين ، وبالله التوفيق .

وأما رواية من روى عن مالك أن التسليمتين لم تكن إلا من زمن بني هاشم ، فإنما أراد ظهور ذلك بالمدينة ، والله أعلم .

[ ص: 191 ] وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض واجب على كل مسلم ; لقول الله عز وجل ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ثم اختلفوا متى تجب ومتى وقتها وموضعها ؟ فمذهب مالك عند أصحابه - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه - أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض في الجملة بعقد الإيمان ، ولا يتعين ذلك في الصلاة ، ومن مذهبهم أن من صلى على النبي عليه السلام في التشهد مرة واحدة في عمره ، فقد سقط فرض ذلك عنه .

وروي عن مالك ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي أنهم قالوا : الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد جائز ، ويستحبونها وتاركها مسيء عندهم ، ولا يوجبونها فيه ، وقال الشافعي : إذا لم يصل المصلي على النبي عليه السلام في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم ، أعاد الصلاة ، قال : وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزه ، وهذا قول حكاه عنه حرملة بن يحيى ، لا يكاد يوجد هكذا عنه إلا من رواية حرملة ، وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا عنه كتبه ، وقد تقلده أصحاب الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه ، وهو عندهم تحصيل مذهبه ، ومن حجة من قال : إن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست بواجبة في الصلاة - حديث الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة قال : أخذ علقمة بيدي ، فقال : إن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدي كما أخذت بيدك فعلمني التشهد ، فقال : قل : التحيات لله والصلوات [ ص: 192 ] والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، قال : فإذا أنت قلت ذلك فقد قضيت الصلاة ، وإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد .

قالوا : ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة ; لأن ذلك لو كان واجبا أو سنة لبين ذلك وذكره ، ومن حجتهم أيضا : حديث الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد ، وفي آخره : ثم ليتخير أطيب الكلام . أو : ما أحب من الكلام . ومن حجتهم أيضا : حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يدعو في صلاته ، لم يحمد الله عز وجل ، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي عليه السلام : عجل هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي ، ثم يدعو بما شاء .

ففي حديث فضالة هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المصلي - إذ لم يصل على النبي عليه السلام في صلاته - بالإعادة ، فدل على أن ذلك ليس بفرض ، ولو ترك فرضا لأمره بالإعادة كما أمر الذي لم يقم ركوعه ولا سجوده بالإعادة ، وقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل [ ص: 193 ] روى ذلك رفاعة بن رافع ، وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكرنا حديثهما فيما سلف من كتابنا والحمد لله .

ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة : أن الله عز وجل أمر بالصلاة على نبيه ، وأن يسلم عليه تسليما ، ثم جاء أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتشهد ، وأنه كان يعلم أصحابه ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن ، وقال لهم : إنه يقال في الصلاة لا في غيرها ، وقالوا : قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة ؟ فقال لهم : قولوا اللهم صل على محمد ، وعلمهم ذلك وقال لهم : السلام كما قد علمتم . فدل ذلك على أن الصلاة عليه في الصلاة قرين التشهد ، قالوا : ووجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها ، فعلمنا أنهما في الأمر بهما سواء ، فلا يجوز أن يفرق بينهما ، ولا تتم الصلاة إلا بهما ; لأنهما وراثة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسائر المسلمين قولا وعملا ، قالوا : وأما احتجاج من احتج بحديث ابن مسعود في التشهد وقوله في آخره : فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك - فلا وجه له ; لأنه حديث خرج على معنى في التشهد ، وذلك أنهم يقولون في الصلاة : السلام على الله فقيل لهم : إن الله هو السلام ولكن قولوا كذا ، فعلموا التشهد ، ومعنى قوله : [ ص: 194 ] فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك ، يعني : إذا ضم إليها ما يجب فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم ، وسائر أحكامهما ، ألا ترى أنه لم يذكر له التسليم من الصلاة - وهو من فرائضها - لأنه قد كان وقفهم على ذلك ، فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم ، وإنما حديث ابن مسعود هذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم . أي : ومن سمي معهم ، ومثل قوله للذي قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل ثم أمره بما رآه لم يأت به ولم يقمه من صلاته ، وسكت له عن التشهد والتسليم ، وقد قام الدليل من غير هذا الحديث بوجوب التشهد ووجوب التسليم بما علمهم من ذلك ، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم ، وكذلك الصلاة على النبي - عليه السلام - مأخوذ من غير ذلك الحديث .

واحتجوا من الأثر بحديث أبي مسعود من رواية مالك ، وفيه أنه علمهم الصلاة على النبي عليه السلام ، وقال فيه : والسلام كما قد علمتم - نعني : التشهد - وبأن أبا مسعود روى الحديث وفهم مخرجه ، وكان يراه واجبا ويقول : إنه لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثنا أحمد بن فتح ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله النيسابوري ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، قال : حدثنا زياد بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال : حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن [ ص: 195 ] بن بشير بن أبي مسعود ، عن أبي مسعود ، قال : لما نزلت هذه الآية ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) قالوا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام فكيف الصلاة ؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم .

وروى عثمان بن أبي شيبة وغيره ، عن شريك ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن أبي مسعود قال : ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلي فيها على محمد وعلى آل محمد .

وروى ابن أبي فديك وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني ، عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : وهذا الحديث وإن كان في إسناده ضعف ، فإن فيه استظهارا مع ما قدمنا من الدلائل .

قال أبو عمر : ليس ما احتجوا به عندي بلازم ; لما فيه من الاعتراض ، ولست أوجب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة فرضا من فروض الصلاة ، ولكني لا أحب لأحد تركها في كل صلاة ; فإن ذلك من تمام الصلاة ، وأحرى أن يجاب للمصلي دعاؤه إن شاء الله ، وحديث سهل بن سعد في ذلك [ ص: 196 ] حدثناه خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن راشد أبو الميمون بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، قال : حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا قد يحتمل من التأويل ما احتمله قوله : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، ونحو هذا مما أريد به الفضل والكمال ، والله أعلم ، وقد روى هذا الحديث أبو ثابت محمد بن عبيد الله عن عبد المهيمن .

قال أبو عمر : آل إبراهيم يدخل فيه إبراهيم ، وآل محمد يدخل فيه محمد ، ومن هنا - والله أعلم - جاءت الآثار في هذا الباب مرة بإبراهيم ومرة بآل إبراهيم ، وإنما جاء ذلك في حديث واحد ، ومعلوم أن قول الله عز وجل : ( أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) والآل هاهنا : الأتباع ، والآل قد يكون الأهل ، ويكون الأتباع ، ويكون الأزواج ، والذرية ، على ما جاء في بعض الآثار .




الخدمات العلمية