الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1862 [ ص: 253 ] حديث سابع لصفوان بن سليم ، مرسل مقطوع

مالك ، عن صفوان بن سليم ، أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا .

التالي السابق


قال أبو عمر : لا أحفظ هذا الحديث مسندا بهذا اللفظ من وجه ثابت ، وهو حديث حسن ، ومعناه : أن المؤمن لا يكون كذابا ، يريد أنه لا يغلب عليه الكذب حتى لا يكاد يصدق ، هذا ليس من أخلاق المؤمنين .

وأما قوله في المؤمن أنه يكون جبانا وبخيلا ، فهذا يدل على أن البخل والجبن قد يوجدان في المؤمن ، وهما خلقان مذمومان قد استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهما .

[ ص: 254 ] وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا ينبغي للمؤمن أن يكون جبانا ولا بخيلا .

وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : ثم لا تجدوني بخيلا ، ولا جبانا ، ولا كذابا .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : المؤمن سهل كريم ، والفاجر خب لئيم ، وهذه الآثار أقوى من مرسل صفوان هذا ، وهي معارضة له ، وقد روي من حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، وهو حديث موضوع على مالك - لم يروه عنه ثقة .

قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خصلتان لا تجتمعان في مؤمن : سوء الخلق ، والبخل . وضعه على مالك رجل يقال له : إسحاق بن مسيح - مجهول - عن أبي مسهر ، عن مالك ، وأبو مسهر أحد الثقات الجلة .

وقال أحمد بن حنبل : سمعت المعافي بن عمران يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : سمعت منصورا يقول : سمعت إبراهيم يقول - وذكر عنده البخل - فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي داء أدوى من البخل .

[ ص: 255 ] وأما الكذب ، فقد مضى في الباب قبل هذا ما يجوز منه ، وما أتت فيه الرخصة من ذلك ، وقد جاءت في الكذب أحاديث مشددة ، أحسنها إسنادا ما حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، قال أبو داود : وحدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، قالا : حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ، وعليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا .

قال أبو عمر : هذا يشهد لقولي في أول هذا الباب عند قوله : لا يكون المؤمن كذابا أي : المؤمن لا يغلب عليه قول الزور فيستحلي الكذب ويتحراه ويقصده حتى تكون تلك عادته ، فلا يكاد يكون كلامه إلا كذبا كله ، ليست هذه صفة المؤمن ، وأما قول الله عز وجل : ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ) فذلك عندي - والله أعلم - الكذب على الله أو على رسوله .

[ ص: 256 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى - يعني القطان - قالا جميعا : حدثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ثم ويل له .

حدثنا خلف بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني محمد بن مسلم ، عن أيوب السختياني ، عن ابن سيرين ، عن عائشة ، قالت : ما كان شيء أبغض إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكذب ، وكان إذا جرب من رجل كذبة لم تخرج له من نفسه حتى يحدث توبة .

وقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد شهادة رجل في كذبة كذبها ، قال شريك : لا أدري أكذب على الله أو رسوله أو في أحاديث الناس ؟ .




الخدمات العلمية