الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5128 - وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " . رواه مسلم . وذكر حديث جابر : " اتقوا الظلم " . في " باب الإنفاق " .

التالي السابق


5128 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتؤدن ) : بفتح الدال المشددة وفي بعض النسخ بضمها فقوله : ( الحقوق ) : بالرفع على الأول وبالنصب على الثاني ( إلى أهلها يوم القيامة ) : وجزم شارح وقال : هو بفتح الدال على بناء المجهول والحقوق أقيم مقام فاعله . وقال ابن الملك : اللام فيه جواب قسمه مقدر والدال فيه مضمومة ، والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به والحقوق مفعوله ، وقيل : الدال فيه مفتوحة على بناء المجهول والحقوق نائب الفاعل ، لكن هذا غير مستقيم ، لأنه لو كان كذلك لظهر الياء وقال : لتؤدين اهـ . وأراد أنه حينئذ صيغة الواحدة ، فيكون حكمه حكم اخشين واغزون وارمين بتسكين اللامات وفتحها على طبق التثنية ، كما تقول : اخشيا وارميا واغزوا على ما حقق في محله . قال التوربشتي : هو على بناء المجهول . والحقوق : مرفوع هذه هي الرواية المعتد بها ، ويزعم بعضهم ضم الدال ونصب الحقوق ، الفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به ، والصحيح ما قدمناه اهـ .

[ ص: 3203 ] والظاهر أنه أراد صحة الرواية وإلا فقد تقدم صحة الدراية باعتبار الصيغة التصريفية ، ويؤيد كلام الشيخ ضبط الكلمة بفتح الدال في أصل السيد وسائر الأصول المعتمدة والنسخ المصححة ، ولعل وجهه أنه عومل معاملة الفعل الصحيح حيث يقال في المفرد المجهول : ليضربن بفتح الموحدة ، وقد غفل الطيبي عن هذا المبنى ، وذهب إلى رعاية المعنى حيث قال : إن كان الرد لأجل الرواية فلا مقال ، وإن كان بحسب الدراية ، فإن باب التغليب واسع ، فيكون قد غلب العقلاء على غيرهم وجعل قوله : ( حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) : غاية بحسب التغليب كما في قوله تعالى : جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه فالضمير في يذرؤكم راجع إلى الأناسي والأنعام على التغليب اهـ .

والمعنى يكثركم من الذرء وهو البث ، وقوله : ( فيه ) أي : في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد ، فإنه كان كالمنبع للبث والتكثير ذكره البيضاوي ، وجعل في للظرفية المعنوية وشبه التدبير بالمنبع ، وفي الإتقان أن في بمعنى الباء أي : بسببه ، وهو ظاهر جدا ، وهذا إذا أريد بالجلحاء والقرناء الشاتان المعروفتان ، وأما إذا أريد بالجلحاء الفقير أو المظلوم وبالقرناء الغني أو الظالم على ما قيل فلا يحتاج إلى ارتكاب التغليب والأمر قريب ، ثم الجلحاء بجيم فلام فحاء مهملة .

قال النووي : الجلحاء بالمد هي الجماء التي لا قرن لها ، والقرناء ضدها ، وهذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها كما يعاد أهل التكليف من الآدميين والأطالل والمجانين ، ومن لم تبلغه دعوة ، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة . قال تعالى جل جلاله ولا إله غيره : وإذا الوحوش حشرت وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره شرع ولا عقل وجب حمله عن ظاهره قالوا : وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب ، وأما القصاص من القرناء للجلحاء ، فليس من قصاص التكليف ، بل هو قصاص مقابلة اهـ . وفي كونه قصاص مقابلة نظر لا يخفى ، مع أن قصاص المقابلة نحن مكلفون به أيضا .

قال ابن الملك أي : لو نطح شاة قرناء شاة جلحاء في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة يؤخذ القرن من القرناء ويعطى الجلحاء حتى تقتص لنفسها من الشاة القرناء ، فإن قيل : الشاة غير مكلفة ، فكيف يقتص منها ؟ قلنا : إن الله تعالى فعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل ، والغرض منه إعلام العباد بأن الحقوق لا تضيع ، بل يقتص حق المظلوم من المظالم اهـ . وهو وجه حسن وتوجيه مستحسن إلا أن التعبير عن الحكمة بالغرض وقع في غير موضعه ، وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين ، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف ، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف والقوي والضعيف ؟ ( رواه مسلم ) : وفي الجامع بزيادة تنطحها . رواه أحمد ومسلم والبخاري في الأدب والترمذي .

( وذكر حديث جابر اتقوا الظلم ) : تمامه : فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ; فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ( في باب الإنفاق ) أي : من كتاب الزكاة ، وهذا من المؤلف إن كان عن تكرار أسقطه فهو اعتذار حسن ، وأما إن كان من باب تحويل الحديث إلى باب أنسب منه فهو اعتراض لكن في غير المحل شامل .




الخدمات العلمية