الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5202 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رجلا من أهل الصفة توفي وترك دينارا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كية " قال : ثم توفي آخر فترك دينارين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيتان " . رواه أحمد والبيهقي في ( شعب الإيمان ) .

التالي السابق


5202 - ( وعن أبي أمامة أن رجلا من أهل الصفة ) : في النهاية : هم الفقراء المهاجرون ، ومن لم يكن له منزل يسكنه ، وكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه . قال الطيبي رحمه الله : وفي وصف الرجل بهذا النعت إشعار بأن الحكم الذي يليه معلل به يعني انتماءه إلى الفقراء الذين زهدوا في الدنيا مع وجود الدينارين أو الدينار ، دعوى كاذبة يستحق به العقاب ، وإلا فقد كان كثير من الصحابة ، كعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، يقتنون الأموال ويتصرفون فيها ، وما عليهم أحد ممن أعرض عن الفتنة ; لأن الإعراض اختيار للأفضل وإلا دخل في الورع والزهد في الدنيا ، والإقناع فيها مباح مرخص لا يذم صاحبه ، ولكل شيء حد ، والحاصل أن رجلا منهم ( توفي ) : بصيغة المجهول ، وجوز المعلوم أي : قبض ومات ( وترك دينارا ) أي : وجد عنده أو عند غيره ( فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " كية " ) أي : هو كية للمبالغة أو سبب كية أو آلة ، وهو الأظهر لقوله تعالى : يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم الآية . ( قال ) أي : الراوي ( ثم توفي آخر ) أي : من أهل الصفة ( فترك دينارين ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " كيتان " ) : وتوضيح المرام في هذا المقام أنهما لما كانا مع [ ص: 3258 ] الفقراء الذين كان الناس يتصدقون عليهم بناء على نهاية حاجتهم ، وغاية فاقتهم ، فهم بمنزلة السائلين إما قالا وإما حالا ، ولم يحل لأحد يسأل وعنده قوت يوم ، فوقع أي : السؤال لكلهما مع وجود الدينار لهما حراما ، وكذا كل من أظهر نفسه بصورة الفقراء من لبس الخلق أو زي الشحاذين ، وعنده شيء من النقود ، أو ما يقوم مقامها ، وأخذ مما في أيدي الناس وأكل ، فهو حرام عليه ، وكذا من أظهر نفسه عالما أو صالحا أو شريفا ، ولم يكن في نفس الأمر مطابقا ، وأعطي لأجل علمه أو صلاحه أو شرفه ، فيكون حراما عليه .

وقد حكي أن الشيخ أبا إسحاق الكازروني رحمه الله : رأى جمعا من الفقراء يأكلون من الطعام الموضوع للمستحقين من تكية فقال : يا أكلة الحرام ! فامتنعوا عن الأكل ، فقال : كل من لم يكن معه شيء من الدنيا يأكل وإلا فلا . فأكل بعضهم وامتنع بعضهم ، فقال : سبحان الله جل شأنه ! طعام واحد حرام لقوم وحلال لآخرين ، فليحذر أهل الحرمين الشريفين أعزهما الله في الدارين من أن يأكل واحد منهم ، والحال أنه غنى شرعي من الأوقاف الموضوعة للفقراء ، وكذلك كل من سكن الخلاوي الموقوفة للمساكين ، فقد صرح ابن الهمام رحمه الله بأن الغني يحرم عليه أن يسكن في خلاوي إلا رابطة ، ولا يغتر أحد بما اشتهر من أوقاف الحرمين عام للفقير والغني ، فإنه على تقدير صحته لا يصح الوقف عندنا على الأغنياء إذا كانوا غير محصورين ، وبدأ يظهر أن إمامنا الأعظم ، ومقتدانا الأقوم لو كان في هذا الزمان ، وشاهد سكان هذا المكان لقال بحرمة المجاورة خلافا لما وقع في الصدر الأول من كراهتها ، لعدم من يقول بحق عظمتها وحرمتها إلا نادرا ، والنادر لا حكم له ( رواه أحمد ، والبيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية