الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5228 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن النور إذا دخل الصدر انفسح " . فقيل : يا رسول الله ! هل لتلك من علم يعرف به ؟ قال : " نعم ، التجافي من دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله " .

التالي السابق


5228 - ( وعن ابن مسعود ، قال : تلا ) أي : قرأ ( رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : فمن يرد الله أن يهديه أي : هديه الخاص الموصل إلى مقام الاختصاص يشرح صدره أي : يوسع قلبه للإسلام أي : لشرائعه على سبيل الإخلاص . قال الطيبي رحمه الله أي يلطف به ويقذف النور فيه حتى يرغب في الإسلام ، وتسكن إليه نفسه ويحب الدخول فيه . قلت : هذا معنى صحيح في نفس الأمر ، لكنه غير ملائم لما سيجيء في تفسير شرح الصدر . ( فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " إن النور " ) أي نور الهداية ( " إذا دخل الصدر انفسح " ) أي : انشرح وتوسع بحيث يسعه قبول جميع شرائع الإسلام ، ويحلو في مذاقه مرارة ما قدره وقضاه من الأحكام ، وهذا القلب في الحقيقة عرش الرب الذي عبر عنه بالحديث القدسي : لا يسعني أرضي ولا سمائي ، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ، لأن السفليات والعلويات ليس لهن قابلية إدراك الكليات والجزئيات المتعلقة بالذات والصفات ، ولهذا قال تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال الآيات . وهذا فيمن شرح الله صدره وأراد هدايته ، بخلاف غيره مما يرد الله غوايته ، كما أخبر عنه بقوله : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ( فقيل : يا رسول الله ! هل لتلك ) أي الخصلة كذا قيل ، والصواب هل لتلك الحالة المعبر عنها بالانفساخ ( من علم ) أي : علامة وأمارة ، ومن زائدة للمبالغة ( تعرف ) أي تلك الحالة ، وفي نسخة بالتذكير نظرا إلى معناها وهو الانفساخ ( به ؟ ) أي : بذلك العلم حتى نقيس حالنا عليه ، ونرجع عند اختلاف الآراء إليه . ( قال : " نعم " ) أي : فيه علم بل علامات وهي ( " التجافي " ) أي المبالغة والتكلف في البعد على طريق الزهد لتحصيل السعد ( " من دار الغرور " ) أي الدنيا الغرارة السحارة الغدارة المكارة ، كما قال تعالى : فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار العناء والشقاء ، وإن كان صورتها أنها النعماء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن أنه الماء ، حتى أتبعهم فيها الملوك والأمراء والأغنياء ( والإنابة ) أي الرجوع والميل التام ( إلى دار الخلود ) أي دار البقاء واللقاء ( " والاستعداد للموت " ) أي بالتوبة والمبادرة إلى العبادة ، وصرف الطاقة في الطاعة ( " قبل نزوله " ) أي قبل حلول الموت أو ظهور مقدماته من المرض والهرم ، حيث لم يقدر حينئذ على تحصيل علم أو عمل ولا ينفعه الندم ، وكان هذا فذلكة لما قبله وهو العمدة لكونه علما له وما قبله إنما هو باعث بطرفيه هنالك على إقدام السالك على ذلك .

[ ص: 3273 ]



الخدمات العلمية