الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

5257 - وعن أبي عبد الرحمن الحبلي - رضي الله عنه - قال : سمعت عبد الله بن عمرو ، وسأله رجل قال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم . قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء قال : فإن لي خادما قال : فأنت من الملوك . قال عبد الرحمن : وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو وأنا عنده فقالوا : يا أبا محمد ! إنا والله ما نقدر على شيء . لا نفقة ولا دابة ولا متاع . فقال لهم : ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا ، فأعطيناكم ما يسر الله لكم ، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان ، وإن شئتم صبرتم ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " . قالوا : فإنا نصبر لا نسأل شيئا . رواه مسلم .

التالي السابق


الفصل الثالث

5257 - ( عن أبي عبد الرحمن الحبلي ) : بحاء مهملة وموحدة وضمها . قال المؤلف : اسمه عبد الله بن يزيد المصري تابعي ( قال : سمعت عبيد الله بن عمرو ) بالواو ، وقال الطيبي : لا بد من محذوف أي : سمعته يقول قولا يفسره ما بعده . أقول : ويمكن أن يقدر مضاف ، ويقال : سمعت قول عبد الله بن عمرو ( وسأله ) أي : وقد [ ص: 3291 ] سأله ( رجل قال ) أي : الرجل استئناف مبين ( ألسنا ) أي : نحن وأمثالنا ( من فقراء المهاجرين ) ، أي : من خواصهم الذين يسبقون أغنياءهم ( فقال لي عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ ) أي : تضمها وتسكن إليها وتقبل عليها ( قال : نعم . قال : ألك مسكن ) : بفتح الكاف وتكسر أي : مكان ( تسكنه ؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء ) أي : أغنياء المهاجرين فإن فقراءهم ما كان لهم امرأة ولا مسكن ، أو إن كان لأحدهم أحدهما ما كان له الآخر منهما . ( قال : فإن لي خادما ) أي : عبدا أو جارية أو أجيرا زيادة على ما سبق ( قال : فأنت من الملوك ) أي : ولا يصح أن يقال لك الصعلوك فلست من صعاليك المهاجرين ، ولعله اقتبس هذا الكلام من قوله تعالى : وجعلكم ملوكا على ما رواه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى : وجعلكم ملوكا قال : الزوجة والخادم ، وزاد ابن جرير عنه ، وكان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمى ملكا .

( قال عبد الرحمن ) : هكذا في جميع نسخ المشكاة الحاضرة ، وصوابه أبو عبد الرحمن لما سبق . قال السيد جمال الدين " المحدث " : هكذا في أكثر نسخ المشكاة التي رأيناها وهو غلط ظاهر ، والصواب أبو عبد الرحمن ، وهو راوي الحديث كما في مسلم ( وجاء ثلاثة نفر ) : بالإضافة كقوله تعالى : تسعة رهط والجملة عطف على قوله وسأله رجل أي : والحال أنه أتى ثلاثة نفر فقراء . ( إلى عبد الله بن عمرو وأنا عنده فقالوا : يا أبا محمد ! إنا والله لا نقدر على شيء . لا نفقة ) : تعميم مبين ( ولا دابة ) أي : لنجاهد عليها أو نحج بها ( ولا متاع ) . أي : زائد يباع ويصرف ثمنه في النفقة والدابة . ( فقال لهم : ما شئتم ) : ما استفهامية أي : أي شيء شئتم ؟ ويمكن أن تكون موصولة مبتدأ والخبر محذوف أي : ما أردتم من الأمور المعروضة عليكم فعلناه . ( إن شئتم ) أي أن نعطيكم شيئا من عندنا ( رجعتم إلينا ) ، فإنه لا يحضرنا الآن شيء ( فأعطيناكم ) أي : بعد هذا ( ما يسر الله لكم ) ، أي : ما سهله على أيدينا ( وإن شئتم ) أي أن نرفع أمركم إلى الخليفة أو من يقوم مقامه ( ذكرنا أمركم للسلطان ) أي : للمتسلط على خزانة بيت المال فيعطيكم ما يوسع لكم البال ، ( وإن شئتم صبرتم ) أي : على هذه الحال ، فإنه مقام أرباب الكمال أصحاب حسن المآل وطيب المنال ( فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الفقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء " ) أي : أغنياءهم فضلا عن غيرهم ( " يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " ) . أي : سنة ( قالوا : فإنا نصبر لا نسأل شيئا ) . أي : حال كوننا لا نطلب شيئا من أحد بعد ذلك . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 3292 ]



الخدمات العلمية