الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5325 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لكل شيء شرة ، ولكل شرة فترة ، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه ، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه " . رواه الترمذي .

التالي السابق


5325 - ( وعن أبي هريرة ، قال : قال النبي ) وفي نسخة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء شرة " بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء : الحرص على الشيء والنشاط فيه والرغبة ، ( " ولكل شرة فترة " ) ، بفتح الفاء وسكون التاء أي : وهنا وضعفا ، وفي نسخة برفعها ، والمعنى : أن العابد يبالغ في العبادة في أول أمره ، وكل مبالغ يفتر ويسكن حدته ومبالغته في أمره ولو بعد حين ( " فإن صاحبها " ) فاعل لجعل دل عليه قوله : ( " سدد " ) أي : قصد السداد والاستقامة ، أو اقتصد في أمر على مداومته ، لكن لا تقطعه الطاعة والعبادة ، ( وقارب ) أي : دنا من التوسيط واحترز من الإفراط والتفريط ( " فارجوه " ) ، أي : أن يكون من الفائزين ، فإن من سلك الطريق المتوسط يقدر على مداومته ، لكن لا تقطعوا له فإن الله هو الذي يتولى السرائر ( " وإن أشير إليه بالأصابع " ) أي : وإن اجتهدوا وبالغ في العمل ليصير مشهورا بالزهد والعبادة ، وصار مشهورا ومشارا إليه فيها ( فلا تعدوه ) أي : شيئا ولا تعتقدوه صالحا ; لكونه من المرائين ; حيث جعل أوقات فترته عبادة ، وهو لا يتصور إلا فيما يتعلق به رياء وسمعة ، وأيضا إذا أقبل الناس عليه بوجوههم ربما زاد في العبادة وحصل له عجب وغرور ، فصار من الهالكين ، إلا أن يتداركه الله بفضله ، وجعله من المخلصين ، وتوضيحه : أن الإنسان يشتغل بالأشياء على حرص شديد ومبالغة [ ص: 3337 ] عظيمة في أول الأمر ، ثم إن تلك الشرة يتبعها فترة ، فإن كان مقتصدا محترزا عن جانبي الإفراط والتفريط وسالكا الطريق المستقيم ، فأرجو كونه من الفائزين الكاملين ، وإن سلك طريق الإفراط حتى يشار إليه بالأصابع ، فلا تلتفتوا إليه ولا تعولوا عليه ، فإنه ربما يكون من الهالكين ، لكن لا تجزموا بأنه من الخاسرين ، ولا تعدوه منهم ، لكن لا ترجوه كما رجوتم المقتصد إذ قد يعصم الله في صورة الإفراط والشهرة ، كما أنه قد يعفو عن صاحب التفريط وراعى التقصير في العبادة . قال الطيبي - رحمه الله - : ويؤيد هذا التأويل الحديث الذي يليه والاستثناء فيه فترك ما للقسم الثالث لظهوره . ( رواه الترمذي ) ، ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا ، ولفظه : " إن لكل شيء شرة ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك " .




الخدمات العلمية