الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

5424 - عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية ، وفتح قسطنطينية خروج الدجال " . رواه أبو داود .

التالي السابق


الفصل الثاني

5424 - ( عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " عمران بيت المقدس " ) : بالتخفيف وتشدد ، وعمرانه بضم العين وسكون الميم أي : عمارته بكثرة الرجال والعقار والمال ( " خراب يثرب " ) أي : وقت خراب المدينة ; قيل : لأن عمرانه باستيلاء الكفار ، وفي الأزهار ، قال بعض الشارحين : المراد بعمران بيت المقدس عمرانه بعد خرابه ، فإنه يخرب في آخر الزمان ، ثم يعمره الكفار ، والأصح أن المراد بالعمران الكمال في العمارة ، أي : عمران بيت المقدس كاملا مجاوزا عن الحد وقت خراب يثرب ، فإن بيت المقدس لا يخرب .

قال ابن الملك : وأما الآن فقد عمره السلطان الملك الناصر ، واستخرج فيه العيون ، وأجرى فيه المياه جزاه الله خيرا . قلت : وزاد بنو عثمان - حفظهم الله من آفات الدوران - في عمارته وأرزاقه وتكياته ، لكنه مع هذا لم يبلغ عمارة المدينة المعطرة ، ( " وخراب يثرب خروج الملحمة " ) أي : ظهور الحرب العظيم . قال ابن الملك : قيل : بين أهل الشام والروم ، والظاهر أنه يكون بين تاتار والشام . قلت : الأظهر هو الأول ; لما في الحديث السابق ; ولما سيأتي في الحديث اللاحق ; ولقوله : ( " وخروج الملحمة فتح قسطنطينية ، وفتح قسطنطينية " ) : وفي نسخة بالتعريف ( " خروج الدجال " ) .

[ ص: 3418 ] قال الأشرف : لما كان بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه ، وكثرة عمارتهم فيه أمارة مستعقبة بخراب يثرب ، وهو أمارة مستعقبة بخروج الملحمة ، وهو أمارة مستعقبة بفتح قسطنطينية ، وهو أمارة مستعقبة بخروج الدجال ، جعل النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كل واحد عين ما بعده وعبر به عنه اهـ . وخلاصته أن كل واحد من هذه الأمور أمارة لوقوع ما بعده ، وإن وقع هناك مهلة .

قال الطيبي - رحمه الله : فإن قلت : قال هنا فتح القسطنطينية خروج الدجال ، وفي الحديث السابق : إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون ، وذلك باطل ، فكيف الجمع بينهما ؟ قلت : إنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - جعل الفتح علامة لخروج الدجال ، لا أنها مستعقبة له من غير تراخ ، وصراخ الشيطان كان للإيذان بأنه واقع ليشتغلوا عن القسم ، وكان باطلا يدل عليه الحديث الآتي : الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية ، وخروج الدجال في سبعة أشهر ، والتعريف في الصارخ في هذا الحديث للعهد والمعهود الشيطان .

أقول : والذي يظهر أن القضية متعددة ، وأن المسلمين كانوا متفرقين ، وأن المدينة غير القسطنطينية ، إذ قصة القسطنطينية كانت بالمقاتلة ، وفتح المدينة إنما هو بالتهليل والتكبير من غير المحاربة ، فحينئذ يحمل صريخ الشيطان بالنسبة إلى غزاة قسطنطينية ، وصريخ المسلمين إلى أصحاب فتح المدينة ، وإن كلا من الفريقين تركوا الغنائم وتوجهوا إلى قتال الدجال ، والله تعالى أعلم بالحال . ( رواه أبو داود ) أي : وسكت عليه ، كما ذكره ميرك ، ورواه أحمد عن معاذ أيضا .




الخدمات العلمية