الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5439 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بينما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث إذ جاء أعرابي فقال : متى الساعة ؟ قال : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " . قال : كيف إضاعتها ؟ قال : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " . رواه البخاري .

التالي السابق


5439 - ( وعن أبي هريرة ) رضي الله عنه ( قال : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث ) أي : يتكلم في أمر مع أصحابه ( إذ جاء أعرابي فقال : متى الساعة ؟ قال : " إذا ضيعت " ) : بصيغة المفعول من التضييع ، وفي نسخة من الإضاعة ( " الأمانة " ) أي : حين جعلت الأمانة ضائعة بالخيانة ، أو وضعت عند غير أرباب الديانة ( " فانتظر الساعة " ) أي : فإنه من أشراط القيامة . ( قال : كيف إضاعتها ) ؟ هذا يؤيد النسخة أي : كيف تضييع الأمانة ، والأمة قائمون بأمرها ، والعامة معتنون بقدرها ( قال : " إذا وسد " ) : بضم الواو وتشديد السين ، وقد تخفف على ما في المقدمة أي : أسند وفوض ( " الأمر " ) أي : أمر السلطة أو الإمارة أو القضاء أو الحكومة ( " إلى غير أهله " ) أي : ممن لم يوجد فيه شرائط الاستحقاق كالنساء والصبيان ، والجهلة والفسقة ، والبخيل والجبان ، ومن لم يكن قرشيا ولو كان من نسل سلاطين الزمان ، هذا في الخليفة ، وقس على هذا سائر أولي الأمر والشأن وأرباب المناصب من التدريس والفتوى والإمامة والخطابة ، وأمثال ذلك مما يفتخر به الأقران .

قال التوربشتي - رحمه الله : معناه أن يلي الأمر من ليس له بأهل ، فيلقى له وسادة الملك وأراد بالأمر الخلافة ، وما ينضم إليها من قضاء وإمارة ونحوها ، والتوسيد : أخذ من الوساد ، يقال : وسدته الشيء بالتخفيف فتوسده ، إذا جعله تحت رأسه ، ولفظة " إلى " فيها إشكال ، إذ كان من حقه أن يقال : وسد الأمر لغير أهله ، فلعله أتى بها ليدل على إسناد الأمر إليه اهـ .

وفي القاموس : إن إلى تأتي مرادفة للام ، نحو قوله تعالى : والأمر إليك اهـ . ويريد أن المعنى : والأمر لك ، لكن الأظهر أن يقال : الأمر راجع إليك ، والأحسن في الحديث أن يضمن معنى التفويض والإسناد كما أشرنا إليه أولا . ( " فانتظر الساعة " ) : للدلالة على قرب قيامها ، وإنما دل ذلك على دنو الساعة لإفضائه إلى اختلال الأمر ، وعدم تمام النظام ، ووهن أمور الدنيا ، وضعف أحكام الإسلام . وقال الطيبي - رحمه الله : لأن تغير الولاة وفسادهم مستلزم لتغير الرعية ، وقد قيل : الناس على دين ملوكهم . قال القاضي - رحمه الله : أخرج الجوابين مخرج الاستئناف للتأكيد ; ولأن السؤال الأول لما لم يكن مما يمكن أن يجيب عنه بجواب حقيقي يطابقه ، فإن تأقيت الساعة غيب لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، عدل عن الجواب إلى ذكر ما يدل على المسئول عنه دلالة من أماراتها ، وسلك في الجواب الثاني مسلك الأول ; لينتسق الكلام .

قال الطيبي - رحمه الله : كان من حق الظاهر أن يكتفى عن جواب السؤال الأول بقوله : إذا ضيعت الأمانة ، وأن يؤتى في السؤال الثاني بمتى ; ليطابق الجواب ، فزاد في الأول : " فانتظر الساعة " ; لينبه على أن قوله : " إذا ضيعت الأمانة " ليس إبان الساعة ، بل من أماراتها ، فلا تكون إذا شرطية ، وتأويل السؤال الثاني : متى تضيع الأمانة ؟ وكيف حصول التضييع ؟ فقال : إذا وسد الأمر ، فأطنب في الأول لإفادة معنى زائد ، واختصر في الثاني لدلالة الكلام عليه تفننا اهـ . وفيه أنه يوهم أن قوله : فانتظر الساعة غير موجود في الجواب الثاني ، والحال أن الأمر بخلافه ، بل هو موجود في الجوابين ، ولعله سقط من أصل الطيبي رحمه الله ، والله تعالى أعلم . ( رواه البخاري ) ، ولفظ الجامع : وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " . رواه البخاري ، عن أبي هريرة .

[ ص: 3430 ]



الخدمات العلمية