الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5449 - وعن عبد الله بن حوالة - رضي الله عنه - قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنغنم على أقدامنا ، فرجعنا فلم نغنم شيئا ، وعرف الجهد في وجوهنا ، فقام إلينا فقال : " اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ، ثم وضع يده على رأسي ، ثم قال : " يا ابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة ، فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام ، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك " . رواه . . . . .

التالي السابق


5449 - ( وعن عبد الله بن حوالة ) : بفتح الحاء المهملة وتخفيف الواو ، وقال المؤلف في فصل الصحابة : أزدي نزل الشام ، روى عن جبير بن نفير وغيره ، ( قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم " ) أي : أرسلنا ( لنغنم ) أي : لنأخذ الغنيمة ( على أقدامنا ) أي : ماشين عليها ، وهو حال من الضمير في بعثنا أي بعثنا رجالا غير ركاب ، ( فرجعنا ) أي : سالمين مأمونين ( فلم نغنم شيئا ) أي : فصرنا مغمومين محزونين ، ( وعرف الجهد ) : بالفتح ، وفي نسخة صحيحة بالضم ، ففي القاموس : الجهد الطاقة ويضم والمشقة . وقال ابن الملك : الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة . قلت : الظاهر أنهما لغتان لكل منهما ، والمراد به هنا المشقة ، وقد صرح شارح بالفتح ، واقتصر عليه السيد في أصله ، أي : وعرف مشقة ألم فقد الغنيمة ( في وجوهنا ) أي : فيما ظهر عليها من آثار الكآبة والحزن والخجالة والحياء ، ( فقام ) أي : خطيبا ( فينا ) أي : لأجلنا أو فيما بيننا ( فقال : " اللهم لا تكلهم " ) : من الوكول أي : لا تترك أمورهم ( " إلي " ) أي : إلى أمري ( " فأضعف عنهم " ) : بالنصب جوابا للنهي ; والسبب في ذلك أن الإنسان خلق ضعيفا ، وأن المخلوق من حيث هو عاجز عن نفسه ، فكيف عن غيره ; ولذا ورد في الدعاء النبوي : اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة ، وإني لا أثق إلا برحمتك . وقال تعالى : قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله وهذا هو التوحيد المبين بقوله : لا حول ولا قوة إلا بالله .

[ ص: 3435 ] وقد ورد في حديث رواه ابن عدي في الكامل أن إلياس والخضر - عليهما الصلاة والسلام - يلتقيان في كل عام بالموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم لما كان له القرب الإلهي قدم دفع وكولهم إليه أولا ثم قال : ( " ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها " ) : بكسر الجيم وفتح ، ففي القاموس : عجز من باب ضرب وسمع ، ثم في تأخير أنفسهم عن نفسه الأنفس إيماء إلى قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ( " ولا تكلهم إلى الناس " ) أي : إلى الخلق ، وإنما خص الناس لقرب الاستئناس ; ( " فيستأثروا عليهم " ) عدل عن قوله فيعجزوا لظهوره ، إلى قوله : فيستأثروا ; إشعارا بأنهم ما يكتفون بإظهار العجز ، بل يتبادرون إلى أن يختاروا الجيد لأنفسهم والرديء لغيرهم ، ففيه تعليم للأمة في شهود صنع الله والغيبة عما سواه ، حتى يكلوا أمورهم إليه ، ويعتمدوا في جميع حوائجهم عليه ; لأن من توكل على الله كفاه أمور دينه ودنياه ، كما قال : ومن يتوكل على الله فهو حسبه .

قال الطيبي - رحمه الله : المعنى : لا تفوض أمورهم إلي فأضعف عن كفاية مؤنتهم وسد خلتهم ، ولا تفوضهم إلى أنفسهم ، فيعجزوا عن أنفسهم ; لكثرة شهواتها وشرورها ، ولا تفوضهم إلى الناس فيختاروا أنفسهم على هؤلاء ; فيضيعوا ، بل هم عبادك فافعل بهم ما يفعل السادة بالعبيد . ( ثم وضع يده على رأسي ) ، أي : لحكمة ستأتي ، مع ما فيه من البركة ، وهو يحتمل الاستمرار على ذلك المرام حتى فرغ من الكلام ، ويحتمل أنه وضعها ثم رفعها ، ( ثم قال : " يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة " ) أي : خلافة النبوة ( " قد نزلت الأرض المقدسة " ) أي : من المدينة إلى أرض الشام ، كما وقعت في إمارة بني أمية ( " فقد دنت " ) أي : قربت ( " الزلازل " ) أي : وقوعها وهي مقدمات زلزلة الساعة التي هي شيء عظيم ، وقد أخبر سبحانه أيضا بقوله : إذا زلزلت الأرض زلزالها ، والزلزلة هي الحركة والزلزال مصدر ، ( " والبلابل " ) : جمع بلبلة ، ففي النهاية : هي الهموم والأحزان ، وبلبلة الصدر وسواسه ، ( " والأمور العظام " ) أي : من أشراط الساعة ، ( " والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه " ) أي : الموضوعة على رأسك ( " إلى رأسك " رواه ) : كذا هنا بياض بالأصل ، وألحق في الحاشية : رواه أبو داود وإسناده حسن ، ورواه الحاكم في صحيحه . جزري وألحق في نسخة : رواه أبو داود والحاكم .




الخدمات العلمية