الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5456 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام ، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة ، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام ، وعصائب أهل العراق ، فيبايعونه ، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب ، فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب ، ويعمل في الناس بسنة نبيهم ، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض ، فيلبث سبع سنين ، ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " . رواه أبو داود .

التالي السابق


5456 - ( وعن أم سلمة عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " يكون " ) أي : يقع ( " اختلاف " ) أي : فيما بين أهل الحل والعقد ( " عند موت خليفة " ) أي : حكمية ، وهي الحكومة السلطانية بالغلبة التسليطية ، ( " فيخرج رجل من أهل المدينة " ) أي : كراهية لأخذ منصب الإمارة ، أو خوفا من الفتنة الواقعة فيها ، وهي المدينة المعطرة أو المدينة التي فيها الخليفة ، ( " هاربا إلى مكة " ) ; لأنها مأمن كل من التجأ إليها ، ومعبد كل من سكن فيها . قال الطيبي - رحمه الله : وهو المهدي بدليل إيراد هذا الحديث أبو داود في باب المهدي ، ( " فيأتيه ناس من أهل مكة " ) أي : بعد ظهور أمره ومعرفة نور قدره ( " فيخرجونه " ) أي : من بيته ( " وهو كاره " ) : إما بلية الإمارة وإما خشية الفتنة ، والجملة حالية معترضة ، ( " فيبايعونه بين الركن " ) أي : الركن الأسعد وهو الحجر الأسود ( " والمقام " ) أي : مقام إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ويقع ما بين زمزم أيضا - شرفها الله - وهذا المثلث هو المسمى بالحطيم من الزمن القديم ; وسمي به لأن من حلف فيه وحنث أو خالف العهد ونقض [ ص: 3441 ] حطم ، أي : كسر رقبته ، وقطع حجته ، وهلك دولته ، ( " ويبعث إليه " ) : بصيغة المجهول أي : يرسل إلى حربه وقتاله ، مع أنه من أولاد سيد الأنام ، وأقام في بلد الله الحرام ، ( " بعث من الشام " ) أي : جيش من أهل الشام والملام ، ( " فيخسف بهم " ) أي : كرامة للإمام ( " بالبيداء " ) : بفتح الموحدة وسكون التحتية ( " بين مكة والمدينة " ) : ولعل تقديم مكة لتفضيلها وتقدمها . قال التوربشتي - رحمه الله : هي أرض ملساء بين الحرمين ، وفي الحديث : يخسف بالبيداء ، بين المسجدين ، وليس بالبيداء التي أمام ذي الحليفة ، وهي شرف من الأرض . قلت : ولا بدع أن تكون هي إياها مع أنها المتبادر منها ، ولعل الشيخ ظفر بنقل صريح ، أو بنى على أن طريق أهل الشام عن قديم الأيام ليس على المدينة ; ولهذا جعل ميقاتهم الجحفة ، لكنهم عدلوا عن طريقهم المشهورة ، ومالوا إلى دخول المدينة المطهرة لمصالح دينية ومنافع دنيوية ، وأما إذا كان غرضهم محاربة المهدي ، فمن المعلوم أنه ما يطولون على أنفسهم المسافة ، بل يريدون المسابقة والمسارعة إلى المحاربة والمسايفة ، ( " وإذا رأى الناس ذلك " ) أي : ما ذكر من خرق العادة وما جعل للمهدي من العلامة ( " أتاه أبدال الشام " ) ، ونعم البدل من الكرام عن اللئام . وفي النهاية : أبدال الشام هم الأولياء والعباد ، الواحد بدل كجمل أو بدل كحمل ; سموا بذلك لأنه كلما مات منهم واحد بدل بآخر . قال الجوهري : الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم ، إذا مات واحد أبدل الله مكانه بآخر . قال ابن دريد : واحده بديل .

قلت : ويؤيده أنه يقال لهم بدلاء أيضا ، فيكون نظير شريف وأشراف وشرفاء ، ثم قيل : إنهم سموا أبدالا ; لأنهم قد يرتحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شبحا آخر شبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه . وفي القاموس : الأبدال قوم بهم يقيم الله عز وجل الأرض ، وهم سبعون ، أربعون بالشام وثلاثون في غيرها انتهى ، والظاهر أن المراد بالشام جهته وما يليه من ورائه لا بخصوص دمشق الشام ، والله تعالى أعلم بالمرام ، ثم يحتمل أنهم سموا أبدالا ; لأنهم أبدلوا الأخلاق الدنية بالشمائل الرضية ، أو لأنهم ممن بدل الله سيئاتهم حسنات .

وقال القطب الحقاني الشيخ عبد القادر الجيلاني : إنما سموا أبدالا لأنهم فنوا عن إرادتهم فبدلت بإرادة الحق عز وجل ، فيريدون بإرادة الحق أبدا إلى الوفاة ، فذنوب هؤلاء السادة أن يشركوا إرادة الحق بإرادتهم ، على وجه السهو والنسيان وغلبة الحال والدهشة ، فيدركهم الله تعالى برحمته باليقظة والتذكرة ، فيرجعون عن ذلك ويستغفرون ربهم عز وجل . أقول : ولعل العارف ابن الفارض أشار إلى هذا المعنى في قوله :


ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي



فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وقد علم كل أناس مشربهم من ماء معين ، والله المعين . ( " وعصائب أهل العراق " ) أي : خيارهم ، من قولهم : عصبة القوم خيارهم ، ولعله من قوله تعالى : ونحن عصبة ، أو طوائفهم ، فإن العصابة تأتي بمعنى الجماعة ; بتعصب بعضهم لبعض وشد بعضهم ظهر بعض وتعضده . وفي النهاية : العصائب جمع عصابة وهي الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ، ولا واحد لها من لفظها ، ومنه حديث علي - رضي الله تعالى - عنه : الأبدال بالشام ، والنجباء بمصر ، والعصائب بالعراق . أراد أن التجمع للحروب يكون بالعراق ، وقيل : أراد جماعة من الزهاد سماهم بالعصائب ; لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء .

ذكر أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بإسناده عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، والأبدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ، ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه ، وأدخل في الأربعين " . وكأنهم قالوا : يا رسول الله ! دلنا على أعمالهم . قال : " يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل " . وبإسناده أيضا عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن لله عز وجل في الخلق سبعة " ، وساق الحديث إلى قوله : " فبهم يحيي ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء " .

[ ص: 3442 ] قيل لعبد الله بن مسعود : كيف بهم يحيي ويميت ؟ قال : " لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فتنبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء " انتهى .

والمعنى أن الأبدال والعصائب يأتون المهدي ( " فيبايعونه ، ثم ينشأ " ) أي : يظهر ( " رجل من قريش " ) : هذا هو القوي الذي يخالف المهدي ( " أخواله كلب " ) : وهم قبيلة فتكون أمه كلبية ، وفيه إشارة حقية ، وبشارة جلية ، وتفاؤل بغلبة ذرية خير البرية . قال التوربشتي - رحمه الله : يريد أن أم القرشي تكون كلبية فينازع المهدي في أمره ، ويستعين عليه بأخواله من بني كلب ، ( فيبعث ) أي : الكلبي ( " إليهم " ) أي : إلى المبايعين للمهدي ( " بعثا " ) أي : جيشا ، ( " فيظهرون عليهم " ) أي : فيغلب المبايعون على البعث الذي بعثه الكلبي ، ( " وذلك " ) أي : البعث ( " بعث كلب " ) أي : جيش كلب باعثه هو نفس الكلبي ( " ويعمل " ) أي : المهدي في الناس ( " بسنة نبيهم " ) أي : شريعته ( " ويلقي " ) : بضم أوله أي : يرمي ويرخي ( " الإسلام " ) أي : المشبه بالبعير المنقاد للأنام ( " بجرانه " ) : بكسر الجيم فراء ونون ، وهو مقدم عنقه أي : بكماله ، ففيه مجاز التعبير عن الكل بالجزء ، كإطلاق الرقبة على المملوك . وفي النهاية : الجران باطن العنق ، ومنه الحديث : أن ناقته - صلى الله تعالى عليه وسلم - وضعت جرانها ، وحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها : حتى ضرب الحق بجرانه ، أي : قر الإسلام واستقر قراره واستقام ، كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض . قيل : ضرب الجران مثلا للإسلام إذا استقر قراره ، فلم يكن فتنة ، وجرت أحكامه على السنة والاستقامة والعدل ، ( " فيلبث " ) : بفتح الياء والموحدة أي : المهدي بعد ظهوره ( " سبع سنين ، ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " . رواه أبو داود ) ، قال الحافظ السيوطي - رحمه الله : في تعليقه على أبي داود : لم يرد في الكتب الستة ذكر الأبدال ، إلا في هذا الحديث عند أبي داود ، وقد أخرجه الحاكم وصححه ، وقال الشيخ زكريا - رحمه الله - في رسالته المشتملة على تعريف غالب ألفاظ الصوفية : القطب ، ويقال له الغوث هو الواحد الذي هو محل نظر الله تعالى من العالم في كل زمان ، أي : نظرا خاصا يترتب عليه إفاضة الفيض واستفاضته ، فهو الواسطة في ذلك بين الله تعالى وبين عباده ، فيقسم الفيض المعنوي على أهل بلاده بحسب تقديره ومراده ، ثم قال : الأوتاد أربعة : منازلهم على منازل الأركان من العالم ، شرق وغرب وشمال وجنوب ، مقام كل منهم مقام تلك الجهة .

قلت : فهم الأقطاب في الأقطار ، يأخذون الفيض من قطب الأقطاب المسمى بالغوث الأعظم ، فهم بمنزلة الوزراء تحت حكم الوزير الأعظم ، فإذا مات القطب الأفخم ، أبدل من هذه الأربعة أحد بدله غالبا ، ثم قال : الأبدال قوم صالحون لا تخلو الدنيا منهم ، إذا مات واحد منهم أبدل الله مكانه آخر ، وهم سبعة . قلت : الأبدال اللغوي صادق على رجال الغيب جميعا ، وقد سبق للبدل معنى آخر ، فالأولى حمله عليه ; ولعلهم خصوا بذلك لكثرتهم ، ولحصول كثرة البدل فيهم لغلبتهم ; فإنهم أربعون على ما في الحديث السابق ، أو سبعون على ما ذكره صاحب القاموس ، فقوله : وهم سبعة وهم ، ثم قال : النقباء هم الذين استخرجوا خبايا النفوس وهم ثلاثمائة . أقول : لعله أخذ هذا المعنى من النقب بمعنى الثقب ، والأظهر أن النقباء جمع نقيب ، وهو شاهد القوم وضمينهم وعريفهم على ما في القاموس ، ومنه قوله تعالى : وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ، أي : شاهدا من كل سبط ينقب عن أحوال قومه ويفتش عنها ، أو كفيلا يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به وعاهدوا عليه على ما في البيضاوي [ ص: 3443 ] والظاهر أنهم خمسمائة على ما سبق في الحديث ، ثم قال : النجباء هم المشتغلون بحمل أثقال الخلق ، وهم أربعون . أقول : كأنه أخذ هذا المعنى من اللغة ، ففي القاموس : ناقة نجيب ونجيبة وجمعه نجائب ، وأنسب ما ذكر فيه أيضا من أن النجيب الكريم والجمع نجباء ، والمنتجب المختار ، ونجائب القرآن أفضله .

هذا وقد أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعا " إن لله تعالى ثلاثمائة نفس ، قلوبهم على قلب آدم - عليه الصلاة والسلام - وله أربعون قلوبهم على قلب موسى - عليه الصلاة والسلام - وله سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل - عليه الصلاة والسلام - وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل - عليه الصلاة والسلام - وله واحد قلبه على قلب إسرافيل - عليه الصلاة والسلام - كلما مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة ، وكلما مات واحد من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة ، وكلما مات من الخمسة واحد أبدل الله مكانه من السبعة ، وكلما مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين ، وكلما مات واحد من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة ، وكلما مات واحد من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة ، بهم يدفع الله الهم عن هذه الأمة ، انتهى .

وأرجو من الله تعالى وحسن فضله وكرمه وعموم جوده أنه إذا وقع محلولا من هذه المناصب العلية أن يجعلني منصوبا على طريق البدلية ، ولو من مرتبة العامة إلى أدنى مرتبة الخاصة ، ويتم علي هذه النعمة مع الزيادة إلى حسن الخاتمة ، ثم في الحديث دلالة على ما ذكرنا من الاحتمال أن الأبدال لا تكون من خواص الأبدال ، بل تعم الرجال من أرباب الأحوال ، وفيه تنبيه نبيه على أنه لم يذكر أن أحدا يكون على قلب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إذ لم يخلق الله في عالمي الخلق والأمر أشرف وألطف من قلبه الأكرم - صلى الله تعالى عليه وسلم - وفيه أيضا ما يشعر بظاهره بتفضيل خواص الملك على خواص البشر ، وكذا تفضيل إسرافيل وميكائيل على جبرائيل ، والجمهور على خلاف ذلك ، والله تعالى أعلم . وهذا وقال العارف الصمداني الشيخ علاء الدولة السمناني في العروة الوثقى : إن الأبدال من بدلاء السبعة ، كما أخبر عنه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال : " هو من السبعة وسيدهم " . أقول : لا بد من ثبوت هذا من ثقات وسندهم ، قال : وكان القطب في زمان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عم أويس القرني عصاما ، فحري أن يقول : إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ، وهو مظهر خاص للتجلي الرحماني ، كما كان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مظهرا خاصا للتجلي الإلهي المخصوص باسم الذات وهو الله .

قلت : هذا يفيد مؤيدا لما سبق من أن أحدا لم يشاركه - صلى الله تعالى عليه وسلم - في مقامه الأعظم ، لكن في كون القطبية لعصام ، وهو غير معروف في أنه من الصحابة أو التابعين ، بخلاف أويس فإنه مشهور ، وقد ورد في حقه أنه سيد التابعين إشكالا عظيما ، فإنه كيف يكون له القطبية الكبرى مع وجود الخلفاء الأربعة وسائر فضلاء الصحابة الذين هم أفضل الناس بعد الأنبياء بالإجماع ، وأيضا فقد قال اليافعي - رحمه الله : وقد ستر أحوال القطب وهو الغوث عن العامة والخاصة غيره من الحق عليه ، لكني أقول : الظاهر أن هذا غالبي ; لثبوت القطبية للسيد عبد القادر - رحمه الله - بلا نزاع ، ثم اعلم أن كثيرا من الناس ادعوا أنه المهدي ، فمنهم من أراد المعنى اللغوي فلا إشكال ، ومنهم من ادعى باطلا وزورا ، واجتمع عليه جميع من الأوباش ، وأراد الفساد في البلاد ; فقتل واستراح منه العباد ، ومنهم من رأى واقعة الحال فحملها شيخه على الآفاق ، وكان حقه أن يحملها على الأنفس ; لئلا يحصل الاختلاف ، وهو رئيس النور بخشية أحد مشايخ الكبروية ، وقد ظهر في البلاد الهندية جماعة تسمى المهدوية ، ولهم رياضات عملية ، وكشوفات سفلية ، وجهالات ظاهرية ، من جملتها أنهم يعتقدون أن المهدي الموعود هو شيخهم الذي ظهر ، ومات ودفن في بعض بلاد خراسان ، وليس يظهر غيره مهدي في الوجود ، ومن ضلالتهم أنهم يعتقدون أن من لم يكن على هذه العقيدة فهو كافر .

وقد جمع شيخنا العارف بالله الولي الشيخ علي المتقي - رحمه الله - رسالة جامعة في علامات المهدي ، منتخبة من رسائل السيوطي - رحمه الله - واستفتى من علماء عصره الموجودين في مكة من المذاهب الأربعة ، وقد أفتوا [ ص: 3444 ] بوجوب قتلهم على من يقدر من ولاة الأمر عليهم ، وكذا معتقد الطائفة الشيعة من الإمامية أن المهدي الموعود هو محمد بن حسن العسكري ، وأنه لم يمت ، بل هو مختف عن أعين الناس من العوام والأعيان ، وأنه إمام الزمان ، وأنه سيظهر في وقته ويحكم في دولته ، وهو مردود عند أهل السنة والجماعة ، والأدلة مستوفاة في الكتب الكلامية ، وقد صرح في العروة الوثقى بأن محمد بن الحسن العسكري إذا اختفى دخل في دائرة الأبدال أولا ، وبقي فيهم حتى لم يبق منهم أحد ; فصار سيد الأبدال ، ثم دخل في دائرة الأبطال ، يعني دائرة الأربعين ، وبقي فيهم حتى لم يبق منهم أحد ; فصار سيد الأبطال ، ثم دخل في دائرة السياح وهم السبعة ، وبقي فيهم حتى لم يبق منهم أحد ; فصار سيد السياح ، ثم دخل في دائرة الأوتاد وهم الخمسة ، وبقي فيهم حتى لم يبق منهم أحد ، فصار سيد الأوتاد ، ثم دخل في دائرة الأفذاذ ، وهم الثلاثة ، وبقي فيهم حتى لم يبق منهم أحد ، فصار سيد الأفذاذ ، ثم جلس على الأريكة القطبية ، بعد أن توفى الله علي بن الحسن البغدادي القطب إليه ، وأنه دفن في بغداد في الشونيز بروح وريحان ، وبقي في المرتبة القطبية تسع عشرة سنة ، ثم توفاه الله إليه بروح وريحان ، انتهى .

وقد نقل مولانا عبد الرحمن الجامي - قدس الله سره السامي - هذا عنه في بعض كتبه ، واعتمد عليه في اعتقاده ، لكن لا يخفى أن الشيخ علاء الدولة ظهر بعد محمد بن الحسن العسكري بزمان كثير ، ولم يسند هذا القول إلى من كان في ذلك الوقت ، والظاهر أنه يدعي هذا من طرق الكشف ، وكذا لا يمكن من غيره أيضا إلا كذلك ، ولا يخفى أن مبنى الاعتقاد لا يكون إلا على الأدلة اليقينية ، ومثل هذا المعنى الذي أساسه على ذلك المبنى لا يصلح أن يكون من الأدلة الظنية ; ولذا لم يعتبر أحد من الفقهاء جواز العمل في الفروع الفقهية بما يظهر للصوفية من الأمور الكشفية ، أو من الحالات المنامية ، ولو كانت منسوبة إلى الحضرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة ، وأكمل التحية - لكن الأحاديث الواردة في أحوال المهدي مما جمعه السيوطي - رحمه الله - وغيره ترد على الشيعة في اعتقاداتهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة ، بل جعلوا تمام إيمانهم وبناء إسلامهم وأركان أحكامهم بأن محمد بن الحسن العسكري هو الحي القائم المنتظر ، وهو المهدي الموعود على لسان صاحب المقام المحمود والحوض المورود .




الخدمات العلمية