الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5479 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة ، فيخرج إليه رجل وهو خير الناس ، أو من خيار الناس ، فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه ، فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه ، فيقول : والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم ، فيريد الدجال أن يقتله ، فلا يسلط عليه " . متفق عليه .

التالي السابق


5479 - ( وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " يأتي الدجال " ) أي : يظهر في الدنيا ، أو يتوجه إلى صوب المدينة المعطرة المصونة ( " وهو محرم " ) : جملة حالية أي : ممنوع ( عليه أن يدخل نقاب المدينة " ) : بكسر النون كما نص عليه النووي - رحمه الله - وهو جمع نقب بفتح النون ، وهو الطريق بين الجبلين ، والأنقاب : جمع قلة كذا في النهاية : ( " فينزل " ) أي الدجال ( " بعض السباخ " ) : بكسر السين أي : في بعض الأراضي السبخة ، وهي ذات ملح لا تنبت ( " التي تلي المدينة " ) أي : تقربها ، وسيأتي أنه ينزل دبر أحد ، ( " فيخرج إليه رجل ) أي : عظيم ( وهو خير الناس " ) أي : حينئذ ( " أو من خيار الناس " ) ، على الإطلاق ، ويحتمل أن يكون الترديد منه - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأو للتخيير ، ويمكن أن يكون من الراوي ، فأو : للشك وتقدم أنه الخضر - عليه الصلاة والسلام - بناء على القول الأصح ، ( " فيقول " ) أي : بعد رؤيته ( " أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - حديثه " ) أي : وصفه وحاله ، ولما كان الظاهر أن يقال : حديثك ، قال الطيبي - رحمه الله : هو جار على قوله : الدجال ; لأن المظهر غائب لا على ضمير المخاطب وعكسه قوله :


أنا الذي سمتني أمي حيدره

[ ص: 3470 ] ( " فيقول الدجال " ) أي : لمن حوله ( " أرأيتم " ) أي : أخبروني ( " إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر " ) ؟ أي أمري ، وقيل أي : في أنه له ( فيقولون : لا " ) ، أي : لا نشك ، وهو محتمل أن يتوجه النفي إلى إثبات الأمر أو نفيه . قال النووي - رحمه الله : أما قول الدجال : إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فقد يشكل ; لأن ما أظهره الدجال لا دلالة فيه على ربوبيته ; لظهور النقص عليه ودلائل الحدوث وتشويه الذات وشهادة كذبه وكفره المكتوبة بين عينيه وغير ذلك ، ويجاب بأنهم لعلهم قالوه خوفا منه لا تصديقا ، ويحتمل أنهم قصدوا لا نشك في كذبك وكفرك ، فإن من شك في كفره وكذبه كفر ، وخادعوه بهذه التورية خوفا منه ، ويحتمل أن الذين قالوا : لا نشك هم مصدقوه من اليهود وغيرهم ممن قدر الله سبحانه وتعالى شقاوته ، ( " فيقتله " ) أي : الرجل على ما سبق ( " ثم يحييه ) أي : ويسأله كما تقدم ( " فيقول " ) أي : المقتول ( " والله ما كنت " ) أي : في سابق الأيام ( " فيك " ) أي : في بطلانك ( " أشد بصيرة " ) أي : يقينا ( " مني " ) : متعلق بأشد ( " اليوم " ) : بالنصب ظرف لأشد ( " فيريد الدجال أن يقتله ، فلا يسلط " ) : بفتح اللام المشددة أي : فلا يقدر ( " عليه " ) أي : على قتله بوجه من الوجوه ، كما قررناه فيما تقدم ، والله تعالى أعلم .

ثم في عجز الدجال آخرا دليل صريح في أن قدرته أولا كانت حادثة عارضة مستعارة للاستدراج به والابتلاء لغيره ، فسلبت عنه كما ستنزع عنه روحه ، فيبقى جيفة ملقاة بالأرض يأكل منها الكلاب ، وما أحسن من قال من أرباب الألباب : ما للتراب ورب الأرباب . قال الكلاباذي : في الحديث دليل على أن الدجال لا يقدر على ما يريد ، وإنما يفعل الله ما يشاء عند حركته في نفسه ومحل قدرته أن يفعله اختبارا للخلق ; ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، ويضل الله من يشاء ويهدي من يشاء . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية