الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5483 - وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيتني الليلة عند الكعبة ، فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال ، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها ، فهي تقطر ماء ، متكئا على عواتق رجلين ، يطوف بالبيت ، فسألت : من هذا ؟ فقالوا : هذا المسيح ابن مريم " قال : " ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجلين ، يطوف بالبيت ، فسألت من هذا ؟ فقالوا : هذا المسيح الدجال . متفق عليه . وفي رواية : قال في الدجال : " رجل أحمر جسيم ، جعد الرأس ، أعور عين اليمنى ، أقرب الناس به شبها ابن قطن .

وذكر حديث أبي هريرة : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها " في ( باب الملاحم ) ، وسنذكر حديث ابن عمر : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس في ( باب قصة ابن صياد ) . إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


5483 - ( وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " رأيتني " ) : من الرؤيا كذا ذكره شارح ، ويحتمل أن يكون بطريق المكاشفة مع أن رؤيا الأنبياء حق كمكاشفاتهم ( " الليلة " ) أي : البارحة إن وقع القول في النهار ( " عند الكعبة " ) : ظرف للرؤية أو حال من المفعول ، والمعنى رأيت نفسي عند الكعبة ( " فرأيت رجلا آدم " ) : بالمد أي : أسمر ( " كأحسن ما أنت راء " ) أي : في الأوصاف ( " من أدم الرجال " ) : بضم همز وسكون دال مهملة ، جمع آدم كحمر جمع أحمر على ما في النهاية ، فما وقع في بعض النسخ من الضم ، فهو من سهو القلم ( " له لمة " ) : بكسر اللام وتشديد الميم ما جاوز شحمة الأذن من الشعر ( " كأحسن ما أنت راء من اللمم " ) : بكسر ففتح جمع لمة ( " قد رجلها " ) : بتشديد الجيم أي : سرحها ومشطها ( " فهي " ) أي : اللمة ( " تقطر ماء " ) : يحتمل أن يراد بالماء الذي سرح به إذ لا يسرح الشعر وهو يابس ، وأن يكون كناية عن مزيد النظافة والنضارة ، ( " متكئا " ) : صفة أخرى لـ رجلا ، أو حال منه لوصفه بآدم أي معتمدا ( " على عواتق رجلين " ) : جمع عاتق ، وهو موضع الرداء من الكتف ، وقال السيوطي - رحمه الله : ما بين المنكب والعنق ، ثم التركيب من قبيل قوله تعالى : فقد صغت قلوبكما ، وحديث أنصاف ساقيه ، ( " يطوف بالبيت " ) : استئناف بيان أو حال ( " فسألت " ) أي : الطائفين أو الملائكة الحافين ( " من هذا " ) ؟ وفيه إيماء إلى أن المكاشفة قد تكون في بعض الأشياء مع وجود بعض الإخفاء ، ( " فقالوا : هذا المسيح ابن مريم " ) ، قال : أي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( " ثم إذا أنا برجل جعد " ) : بفتح جيم فسكون عين وهو من الشعر خلاف السبط أو القصير منه كذا في القاموس ( " قطط " ) : بفتح الطاء الأولى ويكسر في القاموس : القطط القصير الجعد من الرأس كالقطط محركة ( " أعور العين اليمنى " ) : بالجر في أعور مضافا ( " كأن عينه عنبة طافية " ) : بكسر الفاء بعدها ياء ، وفي نسخة بالهمز . قال السيوطي - رحمه الله : روي بالهمز بمعنى ذاهب ضوءها وبدونه ، وصححه الأكثر بمعنى : ناتئة بارزة كنتوء حبة العنب . قال القاضي عياض - رحمه الله : كلا عينيه معيبة عوراء ، فاليمنى مطموسة وهي الطافئة بالهمز ، [ ص: 3477 ] واليسرى ناتئة جاحظة كأنها كوكب ، وهي الطافية بلا همز ، ( " كأشبه من رأيت " ) ، قال الجزري : ضبطناه بالتكلم والخطاب وهو أوضح . قلت : أكثر النسخ على التكلم ، وهو الأظهر في مقام التشبيه من الخطاب العام ثم الكاف مزيدة للمبالغة في التشبيه ، والمعنى : هو أشبه من أبصرته من الناس ( " بابن قطن " ) : بفتحتين واحد من اليهود ، والجار متعلق بأشبه ، وفي الرواية الآتية : أقرب الناس به شبها ابن قطن ، ولعل وجه الشبه باعتبار بعض الوجوه الآتية . ( " واضعا " ) : أو باعتبار أن عينه عنبة طافية ( " يديه " ) : حال من الدجال ( " على منكبي رجلين " ) : الظاهر أن المراد بهما من يعاونه على باطله من أمرائه ، كما أن المراد بالرجلين الأولين من يساعدان المسيح على حقه ، ولعلهما الخضر والمهدي من أصحابه ، ( " يطوف بالبيت ) : فيه إشعار بأن أحدا لا يستغني عن هذا الجانب ، ولا يفتح لهم غرض إلا من هذا الباب ، وفي قوله تعالى : مثابة للناس إيماء إلى ذلك ; ولذا وجد الكفار في الجاهلية وزمن البعثة ما كانوا يتركون الطواف ، والآن أيضا يتمنى اليهود والنصارى أن يتشرفوا برؤية هذا البيت والطواف حوله . وقال التوربشتي - رحمه الله : طواف الدجال عند الكعبة ، مع أنه كافر ، مئول بأن رؤيا النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من مكاشفاته ، كوشف بأن عيسى - عليه الصلاة والسلام - في صورته الحسنة التي ينزل عليها يطوف حول الدين ; لإقامة أوده وإصلاح فساده ، وأن الدجال في صورته الكريهة التي ستظهر يدول حول الدين يبقي العوج والفساد ، ( " فسألت من هذا ؟ فقالوا : هذا المسيح الدجال " ) .

قال التوربشتي - رحمه الله : وجه تسميته بالمسيح في أحب الوجوه إلينا أن الخير مسح عنه ; فهو مسيح الضلالة ، كما أن الشر مسح عن مسيح الهداية ، وقيل سمي عيسى به لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ ، وقيل : لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له ، وقيل : لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، وقيل : لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها ، وقيل : المسيح الصديق ، وسمي الدجال به لأن إحدى عينيه ممسوحة لا يبصر بها ، والأعور يسمى مسيحا انتهى . ولأنه يسمح في أيام معدودة جميع مساحة الأرض إلا مكة والمدينة ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، ووصف بالمسيح الدجال لأن المسيح وصف غلب على عيسى - عليه الصلاة والسلام - فوصف بالدجال ليتميز المحق من المبطل . ( متفق عليه ) . قيل : رواه مسلم في باب الإسراء .

( وفي رواية : قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( في الدجال ) أي : في حقه وشأنه ( " رجل " ) أي هو رجل ( " أحمر " ) أي : لونا ( " جسيم " ) أي : بدنا ( " جعد الرأس " ) أي : شعرا ( " أعور عين اليمنى ، أقرب الناس به شبها ابن قطن " ) .

( وذكر حديث أبي هريرة : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها " . في باب الملاحم ) .

( وسنذكر حديث ابن عمر : قام رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ) أي : فأثنى على الله بما هو أهله ( ثم ذكر الدجال إلخ في باب قصة ابن صياد ، إن شاء الله تعالى ) : متعلق بقوله : سنذكر ، وكان المؤلف رأى أن ذكره في ذلك الباب أقرب إلى الصواب ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 3478 ]



الخدمات العلمية