الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5491 - وعن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ، فذكر الدجال ، فقال : " إن بين يديه ثلاث سنين : سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله ، والأرض نباتها كله ، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك ، وإن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك ! ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا ، وأعظمه أسنمة " . قال : ويأتي الرجل قد مات أخوه ، ومات أبوه ، فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه " . قالت : ثم خرج رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لحاجته ، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم ، قالت : فأخذ بلحمتي الباب فقال : " مهيم أسماء " قلت : يا رسول الله ! لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال . قال : " إن يخرج وأنا حي ، فأنا حجيجه ، وإلا فإن ربي خليفتي ، على كل مؤمن " ، فقلت يا رسول الله ! والله إنا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال : " يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس " . رواه أحمد عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب عنها . ورواه محيى السنة في معالم التنزيل .

التالي السابق


5491 - ( وعن أسماء بنت يزيد ) أي : ابن السكن ( قلت : كان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في بيتي [ فذكر الدجال ] فقال : " إن بين يديه " ) أي : قدام الدجال وقبيل زمان خروجه ( " ثلاث سنين " ) أي : مختلفة في ذهاب البركة ( " سنة " ) : بالرفع وفي نسخة بالنصب ( " تمسك السماء " ) أي : تمنع بإمساك الله ( " في " ) أي : في تلك السنة ( " ثلث قطرها " ) : بفتح القاف أي مطرها المعتاد في البلاد ( " والأرض " ) أي : وتمسك الأرض ( " ثلث نباتها " ) أي : ولو كانت تسقى من غير المطر ، ( " والثانية " ) أي : السنة الثانية وهي بالرفع ويجوز نصبها إما على البدلية وإما على الظرفية ( " تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله ، والأرض نباتها كله " ) يعني : فيقع القحط فيما بين أهل الأرض كله ، ويكون الخزائن والكنوز تتبعه ، وأنواع النعم من الخبز والثمار والأنهار معه ، ( " فلا يبقى " ) : بالتذكير ويؤنث ( " ذات ظلف " ) : بكسر الظاء المعجمة هي البقرة والشاة والظبي ، ( " ولا ذات ضرس ) : وهي السباع من البهائم ( " إلا هلك " ) أي : لا يبقى في حال من الأحوال إلا في حال الهلاك ، ( " وإن من أشد فتنته " ) أي : أعظم بليته ( " أنه يأتي " ) أي : الدجال ( " الأعرابي " ) أي : البدوي ، ومن في معناه من جنس الغبي ، ( " فيقول " ) أي : الدجال ( " أرأيت " ) أي : أخبرني ( " إن أحييت لك إبلك " ) أي : التي ماتت من القحط ( " ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيمثل " ) : بكسر المثلثة المشددة ويفتح أي : يصور له ( " نحو إبله " ) أي : مثال إبله من الشياطين ، كما يدل عليه نسخة : فيمثل له الشياطين نحو إبله ( " كأحسن ما يكون " ) أي : كأحسن أكوانه ( " ضروعا " ) أي : من اللبن ، ونصبه على التمييز ، ( " وأعظمه " ) أي : وأعظم ما يكون من جهة السمن ( " أسنمة " ) : بكسر النون جمع السنام .

( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وإنما ذكره تأكيدا أو إعادة لطول الفصل تأييدا ( " ويأتي الرجل " ) : عطف على قوله : ويأتي الأعرابي ; فيكون من جملة أشد الفتنة ( " قد مات أخوه " ) أي : مثلا [ ص: 3482 ] ( " ومات أبوه " ) : الظاهر أن الواو بمعنى " أو " ولذا أعاد الفعل ( " فيقول : أرأيت " ) أي : أخبرني ، والخطاب لمن مات أبوه ، أو لكل ممن مات أبوه وأمه ( " إن أحييت لك أباك وأخاك " ) : جميعا أو أخاك ( " ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له الشياطين " ) : مفعول أول ( " نحو أبيه ونحو أخيه " ) : مفعول ثان ، وفي نسخة يمثل بصيغة المجهول ورفع الشياطين ، وقيل : نصب " الشياطين " بنزع الخافض ، أي : من الشياطين ، فعلى هذا ينصب نحو ويرفع باختلاف العاملين .

( قالت ) أي : أسماء - رضي الله تعالى عنها - ( ثم خرج رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لحاجته ، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم ) أي : شديد زيد للتأكيد ( مما حدثهم ) أي : من أجل تحديثه إياهم به ( قالت : فأخذ بلحمتي الباب ) : بفتح اللام وسكون الحاء ، كذا في جميع نسخ المشكاة أي : ناحيته ، ذكره ابن الملك في شرح المصابيح . وقال شارح له هو بلجفتي الباب بالجيم والفاء . قال التوربشتي - رحمه الله : الصواب فأخذ بلجفتي الباب ، أريد بهما العضادتان ، وقد فسر بجانبيه ومنه ألجاف البئر أي جوانبها . وفي كتاب المصابيح : بلحمتي الباب وليس بشيء ، ولم يعرف ذلك من كتب أصحاب الحديث إلا على ما ذكرنا . قلت : ويؤيده ما في القاموس من أن اللجف في جانب البئر ، ولجيفتا الباب جانباه ، لكن بعد اتفاق النسخ لا بد من التوجيه ، ففي القاموس : اللحمة القطعة من اللحم ، فيجرد ويقال : المراد بهما قطعتا الباب ; فإنهما تلتحمان وتنفصلان وتلتئمان ، وهو أولى من تخطئة رواة الكتاب ، والله تعالى أعلم بالصواب .

( فقال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( " مهيم " ) : بفتح فسكون ثم فتح فسكون ، في القاموس : مهيم كلمة استفهام ، أي : ما حالك وما شأنك أو ما وراءك أو أحدث لك شيء ؟ وقال القاضي - رحمه الله : مهيم كلمة يمانية ، ومعناه ما الحال والخبر ، وقوله : ( " أسماء " ) : منادى حذف منه حرف النداء ، ( قلت : يا رسول الله ! لقد خلعت أفئدتنا ) أي : أقلقت أو قلعت قلوبنا ( بذكر الدجال ) أي : وما معه من الفتنة وشدة الحال ، ( قال : " إن يخرج وأنا حي " ) أي فرضا وتقديرا ( " فأنا حجيجه " ) أي : دافعه عنكم بالحجة أو الهمة ( " وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن " ) ، وهو لا ينافي ما سبق من قوله : فامرؤ حجيج نفسه ، فإن المقصود أنه يجب على كل شخص أنه يدفعه عن نفسه بالحجة اليقينية ، فإذا كان صاحب النبوة موجودا ، فلا يحتاج إلى غيره ; لأنه مؤيد من عند الله تعالى ، وإلا فالله ولي دينه ، وناصر نبيه ، وحافظ أوليائه ممن آمن به ، ( فقلت يا رسول الله ! إنا لنعجن ) : بكسر الجيم ( عجينا فما نخبزه ) : بكسر الموحدة ويضم أي : فما يتم خبزه ( حتى نجوع ) أي : من قلة صبرنا عن الأكل ( فكيف بالمؤمنين ) : الباء زائدة أي : كيف حالهم ( يومئذ ) ؟ أي : وقت القحط وانحصار وجود الخبز عند الدجال وأتباعه ، ( قال : " يجزئهم ما يجزئ " ) : بضم أوله مهموزا أي : يكفيهم ما يكفي ( " أهل السماء " ) أي : الملائكة ( " من التسبيح والتقديس " ) . قال المظهر : يعني من ابتلي بزمانه في ذلك اليوم لا يحتاج إلى الأكل والشرب ، [ ص: 3483 ] كما لا يحتاج الملأ الأعلى ، وأبعد الطيبي - رحمه الله - حيث قال : معناه : إنا نعجن العجين لنخبزه ، فلا نقدر على خبزه لما فينا من خوف الدجال حين خلعت أفئدتنا بذكره ، فكيف حال من ابتلي بزمانه ؟ فمعنى قوله : يجزئهم أنه تعالى يسليهم ببركة التسبيح والتقديس ، هذا وفي الحديث كلمة سبحان الله وبحمده عبادة الخلق ، وبها يقطع أرزاقهم . رواه البزار عن ابن عمر ، ومعنى الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك ، ثم استعمل في كل ما يعين للشخص . ( رواه ) : هنا بياض في الأصل ، وألحق به : أحمد ، وأبو داود الطيالسي ، وقيل : رواه أحمد عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب عنها ، وانفرد به هنا .




الخدمات العلمية