الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5542 - وعنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا " . متفق عليه .

التالي السابق


5542 - ( وعنه ) أي : عن أبي سعيد - رضي الله عنه - ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يكشف ربنا عن ساقه ) ، قال التوربشتي - رحمه الله : مذهب أهل السلامة من السلف التورع من التعرض للقول في مثل هذا الحديث ، وهو الأمثل والأحوط ، وقد تأوله جمع من العلماء بأن الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر ، وصعوبة الخطب ، واستعماله فيها شائع ، ومنه قول الشاعر :


عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طرادي الطير عن أرزاقها

في سنة قد كشفت عن ساقها



ومنه قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق أي : عن شدة ، وتنكير الساق في الآية من دلائل هذا التأويل ، ووجه تعريف الساق في الحديث دون الآية أن يقال : أضافها إلى الله تعالى تنبيها على أنها الشدة التي لا يجليها لوقتها إلا هو ، أو على أنها هي التي ذكرها في كتابه اهـ . وعند الحاكم عن ابن عباس في الآية : هو يوم كرب وشدة . وقال الخطابي : المعنى يكشف عن قدرته التي تكشف عن الشدة والكرب . وقيل : الأصل فيه أن يموت الولد في بطن الناقة ، فيدخل يده في رحمها ، فيأخذ بساقه ليخرجه ، فهذا هو الكشف عن الساق ، ثم استعمل في كل أمر فظيع . أقول : ويمكن أن يكون استعارة ، وحاصله أن الله تعالى يأخذهم بالشدائد ، كمن يكشف عن ساقه بالتشمير عند دخوله في أمر خطير . ( فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ) أي : من كمال الشدة يقعون في السجدة طالبين رفعها بتلك القربة ، وأخرج أبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي موسى مرفوعا في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق قال : " عن نور عظيم فيخرجون له سجدا " فهذا يشعر بأنه تعالى يتجلى للناس تجليا صوريا ، وبهذا ينحل الإشكال في كثير من أحاديث الصفات على ما قرره بعض مشايخنا ، والله تعالى أعلم ، ثم المراد بالمؤمن والمؤمنة الخلص منهما ; ولذا قال : ( ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ) أي : نفاقا وشهرة ( فيذهب ) أي : يقصد

[ ص: 3520 ] ويشرع ( ليسجد فيعود ) أي : يصير ( ظهره ، طبقا واحدا ) أي : عظما بلا مفصل ; بحيث لا ينثني عند الرفع والخفض فلا يقدر ، والطبق : فقار الظهر واحده طبقة ، يعني صار فقاره واحدا ; فلا يقدر على الانحناء ، والمعنى أنه تعالى يكشف يوم القيامة عن شدة يرتفع دونها سواتر الامتحان ; فيتميز أهل الإخلاص والإيقان بالسجود ، عن أهل الريب والنفاق في اليوم الموعود ، كما قال تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون . ( متفق عليه ) . وأخرج الإسماعيلي الحديث بلفظ : يكشف عن ساق . قال : وهذا أصح لموافقة لفظ القرآن ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية