الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5617 - وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " في الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ، منها تفجر أنهار الجنة الأربعة ، ومن فوقها يكون العرش ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " رواه الترمذي . ولم أجده في ( الصحيحين ) ولا في ( كتاب الحميدي ) .

التالي السابق


5617 - ( وعن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : في الجنة مائة درجة ) ، يمكن أن يراد به الكثرة ، لما ورد من رواية البيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - مرفوعا : ( عدد درج الجنة عدد آي القرآن ، فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة ) ويمكن أن يقال : في الجنة مائة درجة لكل واحد من أهلها ، فيكون بيان أقل ما يكون فيها من أنواع السعة وأصناف النعمة ( ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ) ، ويمكن تقييد وصف المائة بما ذكر ، وغيرها يكون على خلافها من كونه أقل أو أكثر . وروى الديلمي في مسند الفردوس ، عن أبي هريرة مرفوعا : ( إن في الجنة درج لا ينالها إلا أصحاب الهموم ) . ( والفردوس ) أي : الجنة المسماة بالفردوس المذكور في القرآن في قوله تعالى : قد أفلح المؤمنون إلى قوله : أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس ( أعلاها ) أي : على سائر الجنان ( درجة ) ، أو أعلى هذه المائة باعتبار كل فرد أو باعتبار المجموع ، وفي النهاية : الفردوس - اللغة - البستان الذي فيه الكروم والأشجار ، ومنه جنة الفردوس ، قلت : لا بد له من وصف زائد يختص به ويمتاز به عن غيره كما يشير إليه بقوله : ( منها ) وفي رواية الجامع " ومنها " أي من جنة الفردوس ( تفجر أنهار الجنة ) : بصيغة المجهول أي تشقق وتجري أنهار الجنة ( الأربعة ) - بالرفع - صفة للأنهار ، وهي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل المذكور في القرآن : فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ( ومن فوقها يكون عرش الرحمن ) فهذا يدل على أن الفردوس فوق جميع الجنان ، ولذا قال - صلى الله تعالى عليه وسلم - تعليما للأمة وتعظيما للهمة : ( فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ) أي فإنه سر الجنة على ما رواه الطبراني عن العرباض - بضم العين وتشديد الراء - أي : وسطها وخيرها . وروى الطبراني عن سمرة مرفوعا : ( الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها ، ومنها تفجر الأنهار الأربعة ) . وروى ابن مردويه عن أبي أمامة مرفوعا : ( أن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش ) . ( رواه الترمذي ) . وفي الجامع : رواه ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، والحاكم في مستدركه . قال المؤلف : ( ولم أجده ) أي هذا الحديث ( في الصحيحين ) أي في متنيهما ( ولا في كتاب الحميدي ) أي الجامع بينهما ، ولعله سكت عن جامع الأصول لمانع عن تتبعه ، وحاصل كلامه الاعتراض على صاحب المصابيح ؛ حيث أورد الحديث في الصحاح ، والحال أنه لم يوجد إلا في الحسان ، قال ميرك : كذا قاله المصنف ، ووافقه الشيخ الجزري - رحمه الله - في تصحيح المصابيح ، وأقول : قد أخرجه البخاري في كتاب الجهاد عن أبي هريرة مثل عبادة ، والتفاوت بينهما - أي بين حديث أبي هريرة وحديث عبادة - يسير ، فكان على صاحب المشكاة والشيخ أيضا أن يقولا : ورواه البخاري من حديث أبي هريرة ، مع تفاوت يسير ، انتهى .

وقال الحافظ : ابن حجر - رحمه الله - في تخريج أحاديث المشكاة : وعجيب من إدخال البغوي له في أحاديث الصحيحين ، تم كلامه . قيل : ونسبه صاحب المشارق أيضا إلى البخاري ، وقد قيل : إنه موجود في البخاري في موضعين : الأول في كتاب الجهاد ، والثاني في باب : وكان عرشه على الماء ، وكذا في مسلم في باب : فضل الجهاد في سبيل الله ، فمن حفظ حجة على من لم يحفظ .

[ ص: 3580 ]



الخدمات العلمية