الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5670 - وعنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم ، فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي . متفق عليه .

التالي السابق


5670 - ( وعنه ) أي عن أنس - رضي الله عنه - ( عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : لو أن لك ) أي لو فرض الآن أن تملك ( ما في الأرض من شيء ) " من " زائدة للاستغراق ، أي جميع ما فيها - وطلب منك أن تفتدي به وتخلص نفسك من النار ( أكنت تفتدي به ؟ ) وهو من الافتداء بمعنى إعطاء الدرداء للإنجاء ( فيقول : نعم . فيقول ) أي الله سبحانه ( أردت منك أهون من هذا ) ، أي طلبته ، فوضع السبب موضع المسبب ؛ ولأن مراد الله تعالى لا يتخلف كما اتفق عليه السلف والخلف بقولهم : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وحاصله أني أمرتك بأسهل من هذا ، [ ص: 3615 ] ( وأنت في صلب آدم ) أي تعلق بك الأمر والحال أنك في صلب آدم ، وفيه إيماء إلى قضية الميثاق المشتمل على قوله : ألست بربكم قالوا بلى " أو المراد منه التوحيد والعبادة على وجه التفريد ، وإليه أشار بقوله : ( أن لا تشرك بي شيئا ) وهو بدل أو بيان لقوله : أهون ( فأبيت ) أي كل شيء ( إلا أن تشرك بي ) أي فلا جرم ، لا أقبل منك ، ولو افتديت بجميع ما في الأرض كما قال : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم قال الطيبي - رحمه الله - قوله : لو أن لك ما في الأرض جميعا أي لو ثبت ؛ لأن " لو " يقتضي الفعل الماضي ، وإذا وقعت " أن " المفتوحة بعد " لو " كان حذف الفعل واجبا ؛ لأن ما في " أن " من معنى التحقيق والثبات منزل منزلة ذلك الفعل المحذوف . وقوله : أردت منك ، ظاهر هذا الحديث موافق لمذهب المعتزلة ، فإن المعنى : أردت فيك التوحيد ، فخالفت مرادي وأتيت بالشرك . وقال المظهر : الإرادة هنا بمعنى الأمر ، والفرق بين الأمر والإرادة أن ما يجري في العالم لا محالة كائن بإرادته ومشيئته ، وأما الأمر فقد يكون مخالفا لإرادته ومشيئته . قلت : وتوضيحه أن الأمر بالإعلان توجه إلى عامة المكلفين ، وتعلقت مشيئة الإيمان ببعضهم وإرادة الكفر ببعضهم ؛ ولذا قال تعالى : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى وقال سبحانه : ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ، وقال : لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ، وقال : فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة .

قال الطيبي - رحمه الله - : الأظهر أن تحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الآية ، بقرينة قوله : وأنت في صلب آدم ، فقوله : أبيت إلا أنك تشرك إشارة إلى قوله تعالى : أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ويحمل الآباء هنا على نقض العهد . وقوله : ( ألا تشرك ) استثناء مفرغ ، وإنما حذف المستثنى منه ، مع أنه كلام موجب لأن في الآباء معنى الامتناع ، فيكون نفيا أي ما اخترت إلا الشرك ، انتهى . وهو كلام حسن إلا أن إطلاق الإرادة وإرادة أخذ الميثاق يحتاج إلى بيان يدفع به ما تقدم من الإيراد ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية