الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5688 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لو أن رصاصة مثل هذه - وأشار إلى مثل الجمجمة -

أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة ، لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها
" . رواه الترمذي .

التالي السابق


5688 - ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ) بحذف الياء في أكثر النسخ المصححة ، وفي نسخة بالياء . قال النووي - رحمه الله - في مقدمة شرح مسلم : أما ابن العاص فأكثر ما يجيء في كتب الحديث والفقه ونحوهما بحذف الياء ، وهي لغة ، والفصيح الصحيح " العاصي " بإثبات الياء ، وكذلك شداد بن الهادي ، وابن أبي الموالي ، بالصحيح الفصيح في كل ذلك ، وما أشبهه إثبات الياء ، ولا اعتداد بوجوده في كتب الحديث إذ أكثرها بحذفها . أقول : تعبيره بالصحيح الفصيح غير صحيح ، إذ جاء إثبات الياء وحذفها في الكلام الأفصح كتابة وقراءة ، نعم حذفها رسما أكثر من إثباتها قراءة ، وإثباتها قراءة أشهر من حذفها في نحو قوله تعالى : المهتد والمتعال وباق وواق ، ثم عدم الاعتداد بكتب الحديث المطابق لرسم المصحف الشريف المنسوب إلى كتابة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين مستبعدا جدا خصوصا من الإمام النووي - رحمه الله - الذي هو من أتباع المحدثين ومن الفقهاء المتورعين ، هذا والصحيح في العاص أنه معتل العين لا معتل اللام على ما حققه صاحب القاموس قوله : الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر ، وهم العاص ، وأبو العاص ، والعيص ، وأبو العيص ، فالعاص على هذا يخرج عما نحن فيه بالكلية ، ولا يجوز إثبات الياء فيه بالمرة ، والله تعالى أعلم . ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " لو أن رصاصة ) بفتح الراء والصادين المهملتين أي قطعة من الرصاص ، ففي القاموس : الرصاص كسحاب معروف ، وفي نسخة السيد : رصاصة براء واحدة ومعجمتين ، وهي الحصا الصغار على ما في النهاية . وفي نسخ المصابيح : رضراضة براءين ومعجمتين ، وهي الحجارة المدقوقة على ما قاله شارح ، وهو سهو من الكتاب ، أو من صاحب الكتاب ، والله تعالى أعلم بالصواب . قال التوربشتي - رحمه الله - : في سائر نسخ المصابيح رضراضة مكان رصاصة ، وهو غلط لم يوجد في جامع الترمذي ، ولعل الغلط وقع من غيره . ( مثل هذه ) إشارة إلى محسوسة معينة هناك ، كما أشار إليه الراوي بقوله : ( وأشار إلى مثل الجمجمة ) بضم الجيمين في النسخ المصححة للمشكاة ، وهي قدح صغير ، وقال المظهر : بالخاءين المعجمتين وهي حبة صغيرة صفراء وقيل : هي بالجيمين وهي عظيم الرأس المشتمل على الدماغ ، وقيل : الأول أصح ، انتهى . والجملة حالية .

[ ص: 3625 ] لبيان الحجم والتدوير المعين على سرعة الحركة . قال التوربشتي - رحمه الله - : بين مدى قعر جهنم بأبلغ ما يمكن من البيان ، فإن الرصاص من الجواهر الرزينة ، والجوهر كلما كان أتم رزانة كان أسرع هبوطا إلى مستقره ، لا سيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه ثم قدره على الشكل الدوري ، فإنه أقوى انحدارا وأبلغ مرورا في الجواهر . فالمختار عنده أن المراد بالجمجمة الرأس على أن اللام للعهد أو بدل عن المضاف إليه ، وهو المعنى الظاهر المتبادر من الجمجمة ، ثم قوله : ( أرسلت ) صفة لاسم " أن " ، وما بينهما معترضة ، أي أدليت ( من السماء إلى الأرض ، وهي ) أي مسافة ما بينهما ( مسيرة خمسمائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة ) أي المذكورة في قوله تعالى : ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فالمراد من السبعين الكثرة ، أو المراد بذراعها ذراع الجبار . وقال شارح أي رأس سلسلة الصراط وهو في غاية من البعد . ( لسارت ) أي لنزلت وصارت مدة ما سارت ( أربعين خريفا ) أي سنة ( الليل والنهار ) أي منهما جميعا لا يختص سيرها بأحدهما ( قبل أن تبلغ أصلها ) أي أصل السلسلة ( أو قعرها ) شك من الراوي ، والمراد بقعرها نهايتها ، وهي معنى أصلها حقيقة أو مجازا ، فالترديد إنما هو في اللفظ المسموع ، وأبعد الطيبي - رحمه الله - حيث قال : يراد به قعر جهنم ؛ لأن السلسلة لا قعر لها . قلت : وجهنم في هذا المقام لا ذكر لها مع لزوم تفكيك الضمير فيها ، وإن كان قعرها عميقا على ما رواه هنا . وعن أنس مرفوعا : " لو أن حجرا مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفا لا يبلغ قعرها " . والمراد بالخلفات النوق الحوامل ، فاختيار كبر جرم المرسل هنا مناسب لما قدمه التوربشتي رحمه الله . ( رواه الترمذي ) .




الخدمات العلمية