الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5692 - وعن الحسن - رضي الله عنه - قال : حدثنا أبو هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة " . فقال الحسن : وما ذنبهما ؟ فقال : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فسكت الحسن . رواه البيهقي في ( كتاب البعث والنشور ) .

التالي السابق


5692 - ( وعن الحسن ) أي البصري ( قال : حدثنا أبو هريرة ، عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " الشمس والقمر ثوران ) بفتح المثلثة أي كثورين ، فهو تشبيه بليغ كقولهم : زيد أسد ( مكوران ) بتشديد الواو المفتوحة أي ملقيان ، من طعنه فكوره أي ألقاه على ما ذكره الطيبي - رحمه الله - والمعنى أنه يلقى ويطرح كل منهما عن فلكهما ( في النار يوم القيامة ) ؛ لزيادة عذاب أهلها بحرهما ، لما ورد عن ابن عمر على ما رواه الديلمي في مسند الفردوس مرفوعا : " الشمس والقمر وجوههما إلى العرش وأقفاؤهما إلى الدنيا " . ففيه تنبيه على أن وجوههما لو كانت في الدنيا ، لما أطاق حرهما أحد من أهل الدنيا . وقال ابن الملك أي يلفان ويجمعان ويلقيان فيها ، وكأنه أخذه من تكوير العمامة ، ومنه قوله تعالى : يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل قال في النهاية : ومنه حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - : فجاء بالشمس والقمر ثورين مكورين في النار ، والرواية ثوران بالثاء المثلثة كأنهما يمسخان . وقد روي بالنون وهو تصحيف ، انتهى . ومن الغريب أنه وقع في نسختي الشيخ الجزري والسيد ، بالنون أصلا وبالمثلثة في الهامش نسخة ، ومما يؤيد الرواية بالثاء ما ذكره السيوطي - رحمه الله - في البدور ، عن أنس ، وعن كعب الأحبار أيضا : ثوران عقيران . ( فقال الحسن : وما ذنبهما ؟ فقال ) أي أبو هريرة ( أحدثك عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم ! ) قال الطيبي - رحمه الله - : [ ص: 3627 ] أي تقابل النص الجلي بالقياس ، ويجعل موجب دخول النار العمل ، فإن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . أقول : الظاهر من سؤاله بيان الحكمة في إدخالهما النار مع انقيادهما وطاعتهما للملك الجبار ، والنار إنما هي دار البوار للكفار والفجار ، فمعنى قول أبي هريرة : أحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سمعته ، وليس لي مزيد علم على ذلك . ( فسكت الحسن ) فثبت أن سؤاله حسن ، وكذا جوابه مستحسن ، مع أنه لا يلزم من إدخالهما في النار تعذيبهما كخزنة جهنم ، فقال بعض العلماء : إنما جعلا في النار لأنهما قد عبدا من دون الله تبكيتا للكافرين .

قال القرطبي - رحمه الله - : قد ورد عن ابن عباس تكذيب كعب الأحبار في قوله هذا ، حيث قال له : هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام ، والله تعالى أكرم من أن يعذبهما وهما دائبان في طاعته ، ثم حدث عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنهما يعودان إلى ما خلقا منه ، وهو نور العرش ، فيختلطان ، وحاصله أنهما يصيران نورين والنور لا يعذب بالنار ؛ ولذا تقول النار للمؤمن : جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهيبي ، فيرجع الكلام إلى أن فائدة إدخالهما تعيير عبدتهما ، فلا منافاة بين قول كعب وبين قول ابن عباس عند التأمل الشافي ، والله تعالى الكافي ، مع أن الحديث المروي غير ثابت . قال السيوطي - رحمه الله - في البدور : هذا الحديث أخرجه أبو الشيخ في العظمة من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن مقاتل ، وابن حبان عن عكرمة عن ابن عباس ، وأبو عصمة كذاب وضاع . ( رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور ) وفي الجامع الصغير : " الشمس والقمر مكوران يوم القيامة " رواه البخاري عن أبي هريرة . وروى ابن مردويه عن أنس مرفوعا " الشمس والقمر ثوران عقيران في النار ، إن شاء أخرجهما وإن شاء تركهما " قيل : قوله : عقيران ، أي زمنان ، يعني لا يجريان .




الخدمات العلمية