الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5715 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت ليلة أسري بي موسى ، رجلا آدم طوالا ، جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال في آيات أراهن الله إياه ، فلا تكن في مرية من لقائه متفق عليه .

التالي السابق


5715 - ( وعن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " رأيت ليلة أسري بي " ) : بالإضافة ، وفي نسخة بالتنوين أي : أبصرت في ليلة أسري بي فيها ( موسى رجلا ) أي : حال كونه على صورة رجل ( آدم ) أي : أسمر شديد السمرة على ما في النهاية ( طوالا ) ، بضم الطاء وتخفيف الواو أي : طويلا كعجاب مبالغة عجيب ، وأما بكسر الطاء فهو جمع طويل ، ( جعدا ) : هو ضد السبط فمعناه غير مسترسل الشعر ، ولعل انقباض شعره مما يشعر على حدة باطنه من غير شعوره ، ( كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق ) أي : متوسطا لا طويلا ولا قصيرا ولا سمينا ولا هزيلا ، وفيه إيماء إلى اعتدال مزاجه أيضا ، وقوله : ( إلى الحمرة والبياض ) ، حال أي : مائلا لونه إليهما ، فلم يكن شديد الحمرة والبياض ، بل كان بينهما من البياض المشرب بالحمرة ، كما كان نعت نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - على ما في الشمائل في الوصفين السابقين . ( سبط الرأس ) ، بكسر الباء وفتحها أيضا ، وقد تسكن ، ففي القاموس : السبط ويحرك وككتف نقيض الجعد ، والمعنى مسترسل شعر الرأس ، فهذا يدل على أنه غلب عليه صفة الجمال ، كما أنه غلب على موسى نعت الجلال ، ونبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما كان في مرتبة الكمال كان شعره أيضا . في السبوطة والجعودة في غاية من الاعتدال . ( ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال ) أي : ورأيت الدجال ( في آيات ) أي : مع علامات ( أراهن الله إياه ) ، أي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يعني : رأى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - الدجال مع آيات أخر أراهن الله النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وما حكاها . وقوله : في آيات أراهن الله إياه من كلام الراوي أدرجه في الحديث دفعا لاستبعاد السامعين ، وإماطة لما عسى أن يختلج في صدورهم ، ولو كان من قول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لقال : أراهن الله إياي ، كذا ذكره شارح ، والظاهر أن يكون الضمير راجعا إلى الدجال ، والمراد خوارق العادات التي قدرها الله سبحانه استدراجا للدجال ، وابتلاء للعباد على ما تقدم ، والله تعالى أعلم .

قال الطيبي - رحمه الله - قوله : في آيات أي : رأيت المذكور في جملة آيات ، ولعله أراد بها الآيات المذكورة في قوله تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى فعلى هذا في الكلام التفات حيث وضع إياه موضع إياي ، أو الراوي نقل معنى ما تلفظ به ، والظاهر أن قوله : ( فلا تكن في مرية من لقائه ) . متعلق بأول الكلام ، وهو حديث موسى عليه السلام تلميحا إلى ما في التنزيل من قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه الكشاف ، قيل : من لقائك موسى عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء ، فيكون ذكر عيسى ، وما يتبعه من الآيات على سبيل التبعية والإدماج ، أي : لا تكن يا محمد في رؤية ما رأيت من الآيات في شك . فعلى هذا الخطاب في قوله : " فلا تكن " لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والكلام كله متصل ليس فيه تغيير من الراوي إلا لفظ " إياه " ويشهد له قول الشيخ محيي الدين - رحمه الله - في شرح هذا الحديث : كان قتادة يفسرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعالى قد لقي موسى عليه الصلاة والسلام ، ووافقه عليه جماعة منهم : مجاهد ، والكلبي ، والسدي . ومعناه : فلا تكن في شك من لقائك موسى ، والشارحون ذهبوا إلى أن قوله : في آيات أراهن الله من كلام الراوي ألحقه بالحديث دفعا لاستبعاد السامعين ، وإماطة لما عسى يختلج في صدورهم . وقال المظهر : الخطاب في : فلا تكن خطاب عام لمن سمع هذا الحديث إلى يوم القيامة ، والضمير في لقائك عائد إلى الدجال ، أي : إذا كان خروجه موعودا ، فلا تكن في شك من لقائه ، وقال غيره : الضمير راجع إلى ما ذكر أي : فلا تكن في شك من رؤية ما ذكر من الآيات إلى يوم القيامة ( متفق عليه ) . وذكر السيوطي الحديث في الجامع الصغير إلى قوله : " ( و ) الدجال وقال : رواه أحمد ، والشيخان .




الخدمات العلمية